" أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه " 28
ما زلت أتأمل أحقاً لهذا التفرق والتمزق من مسوغ، لماذا لا تعظم القواسم المشتركة وما أكثرها ودعونا نأخذ قضية الإيمان بالله نموذجا.
إننا لو سألنا أنفسنا هذا السؤال: ماذا يعني أنني مؤمن بالله؟ نجد الجواب واحدا في أصوله عند جميع فرق الإسلام الكبرى (سنة، شيعة، معتزلة، وخوارج.... ) (سلفية وصوفية ومذهبية...).
1- فالجميع يقر إن أول مقتضيات الإيمان بالله، الإيمان بوجوده وهذا أمر فطري..
2- الإيمان بتوحيد الله بمعنى تنزيه الله عن كل ما لا يليق به وتجد جميع المسلمين مجمعين على أن سورة الإخلاص قد جمعت أسس وأصول ذلك وأصولها وهي خمس صفات:
- التوحيد "قل هو الله احد" .
- " الله الصمد" القيام بالنفس وأن كل ما سواه مفتقر إليه وأنه عن كل ما سواه مستغنى.
- البقاء "لم يلد" لأن من يلد يولد ومن يولد يموت.
- الأولية "لم يولد "والأزلية المخالفة للحوادث" لم يكن له كفوا احد" .
ومهما اختلفت عبارات الناس فكلهم متفق على جوهر هذه القضايا.
3- الأمر الثالث: مقتضيات الإيمان بالله، الإيمان بالله رباً أي انه الخالق الرازق المحيي المميت الفعال لما يريد سبحانه ويدخل في ذلك كل مقتضيات صفة القدرة "وإذا مرضت فهو يشفين" .
وإذا تأملنا في سورة الفاتحة تجدها بدأت "بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين.." فبدأت بتقرير أمر الربوبية لأنها إذا تقررت في العقول فلا بد أن يترتب عليها مقتضياتها من حيث إفراده بالعبادة سبحانه.. والإخلاص له في الطاعة والتشريع..
ونلاحظ أن بعد سورة الإخلاص التي قررت أمر التوحيد مطلقا جاء قوله تعالى: " قل أعوذ برب الفلق" وقوله تعالى: "قل أعوذ برب الناس" .
إذن، أيضاً تقرر قضية الربوبية، وهذه لم يختلف عليها احد من المسلمين.
4- الأمر الرابع من مقتضيات الإيمان بالله.. أنه سبحانه مالك الملك فهو يتصرف في ملكه كيف يشاء لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ولذا فله الحق في تكليف الخلق بما شاء، كما أن له سبحانه أن ينعم عليهم أو أن يبتليهم بما شاء سبحانه..
ولذا نلاحظ في سورة الفاتحة بعد تقرير أمر الربوبية جاء تقرير هذه الحقيقة من خلال قوله تعالى مالك يوم الدين وإذا كان سبحانه مالك يوم الدين فأولى أن يكون مالكاً لكل شيء سبحانه.
ونلاحظ انه بعد تقرير أمر الربوبية في سورتي الفلق والناس جاء قوله تعالى في سورة الناس ملك الناس وهذا الأمر أيضاً لم يختلف احد من المسلمين فيه (ولو نظريا).
5- الأمر الخامس من مقتضيات الإيمان بالله.. الإيمان بحق الألوهية لله تعالى، وهذه تقتضي أمران: إفراده سبحانه بالعبادة فلا يتوجه لأحد بالعبادة إلا له، ولا يعبد إلا بما أراد، فأفراده بالعبادة ومنه الدعاء مصدراً وقصداً.
ثم الأمر الثاني من حقوق الألوهية: حق التشريع لله تعالى " أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله" وقوله تعالى: " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم " قوله تعالى: " لا تقدموا بين يدي الله ورسوله " قوله تعالى: " ألا له الخلق والأمر " قوله تعالى: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون .." إلى آخر ذلك من الآيات.
ولذا نلاحظ جاء في سورة الفاتحة " إياك نعبد وإياك نستعين " وجاء في سورة الناس "إله الناس" .
ومن الناحية النظرية فان جميع المسلمين يقر بذلك (باستثناء العلمانيين، وليس حديثنا معهم الآن).
6- الأمر السادس من مقتضيات الإيمان بالله، الإيمان بأسمائه وصفاته العلى سبحانه صفات الجلال والكمال وجميع المسلمين يؤمنون بأسمائه الحسنى، ويؤمنون بالصفات الدالة على كماله الواردة على جهة الإثبات المطلق كالحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام.... .
هذه أصول الإيمان بالله وجميع المسلمين يقرون بذلك إذن أين الاختلاف وما حجمه؟ ولماذا؟ وما أثره؟ وكيف نتعامل معه؟.
أسئلة مهمة..
لأن هناك من سيقول ليس صحيحا أن جميع المسلمين يقرون بهذه الأصول، وأنا أؤكد أن جميع المسلمين يقرون بهذه الأصول وإنما اختلفوا فيما وراء هذه الأصول إلا إذا أراد أحد من الناس أن يزيد في أصول الإيمان ما ليس منها.. وهذا ما سنبينه إن شاء الله..