لماذا أخاف من تحمل المسئولية؟
ترى ما الذي أحتاجه؛ لأصبح شابًا يتحمل المسئولية؟
ترى كيف يمكن أن يفهم أهلي، أنني لم أعد صغيرًا؟
ما هي الوسائل العملية؛ ليهيئ الشاب نفسه لتحمل المسئولية؟
في أي الأجواء تعيش:
تحدثنا سويًّا من قبل عن حاجة المراهقين لتحمل المسئولية، وبينَّا كذلك أن المراهق تدعوه حاجات نفسية، وعضوية، إلى تحمل المسئولية، فاتضح لنا أنه في هذه المرحلة يبدأ في (الاحساس والمعاناة والتفكير بقدره وقيمته عند نفسه وعند الآخرين، أي في التفكير في الصورة الحقيقية لشخصيته، كما هي في الواقع وكما يريدها أن تكون، هل هو مقبول أم غير مقبول؟ هل هو قوي أم ضعيف؟ هل هو ناجح أم فاشل؟ وكيف يعمل لتحسين هذه الصورة؟ ثم يرتبط بهذا مشاعر الاستقلال والإباء والأنفة والاعتداد بالنفس والكرامة... إلخ) [المراهقون دراسة نفسية إسلامية، د. عبد العزيز النغيمشي، (101)].
كما أن (الناحية العضوية هي الأخرى، تلح على الفتى فطول الجسم، ووزنه وشكله، وبعض وظائفه تؤذن بتحوله من الطفولة إلى الرجولة، وكأنها تبحث عن دور جديد) [المراهقون دراسة نفسية إسلامية، د. عبد العزيز النغيمشي، ص(101)].
وفي ظلال ذلك تخيِّم على الأجواء الأسرية، إما سحابة التربية الإيجابية الفعالة، وفيها يعطى المراهق الأدوار، ويتعلم البدار، ويسارع إلى تحمل المسئولية، ويراقبه والداه، ويمنحانه المساندة والتوجيه، ويحذران من التوبيخ، خاصة في بداية طريقه لتحمل المسئولية، حتى لا يهوي من على سُلمها طريحًا.
وعلى النقيض، قد تخيِّم على الأجواء الأسرية، سحابة التربية السلبية، فهي تقطع على المراهق الآمال، وتشعره بالصغار، وأنه مازال طفلًا مدللًا، لا يستطيع تحمل المسئولية، وأنها عليه كبيرة تتأبى عليه، فينقطع نظره إلى السماء، ويعتاد عيش الخباء، فينشئ ضعيفًا يفر من التكاليف، وما الأمر إلا أنه:
ينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه
فوبيا المسئولية:
ومن الملاحظ أن بعض المراهقين يفرون من اتخاذ القرارات وتحمل المسئوليات، ولربما يظن فيه من حوله أنه إنسان يفتقر للشجاعة و الجرأة.. لكن الحقيقة أن فكرة تحمل المسئولية قد تكون بالفعل لدى هؤلاء الأشخاص غير محتملة، بل ومثيرة للإنزعاج الذى يصل لدرجة الخوف المرضى، فهم يخافون من نظرة الآخرين لهم وحكمهم عليهم، ومن مواجهة من حولهم بآرائهم واختياراتهم، أو يخافون من فقد استقلاليتهم إذا ارتبطوا بغيرهم و أصبحوا مسئولين عنهم.
فيتملك هؤلاء الشباب التوترُ ويسيطر عليهم القلق الشديد، ومن ثم لا يجدون مفرًا من تجنب هذه المواقف قدر وسعهم، و هذا يجعلهم متهمين بالتخاذل عن مسئوليتهم.
و هذا السلوك يحلله علماء النفس، بأنه ناتج عن رغبة مثل هذا الشخص فى إخفاء عيوبه ونقاط ضعفه ـ التى لا يرى فى نفسه شيئًا غيرها ـ عن الناس، فهو منذ طفولته تلح عليه صورة أنه ليس كفءًا للقيام بأى شىء بمفرده، ربما نتيجة محاولاته المستمرة لإرضاء والديه بما قد يفوق طاقته وسعيه الدائم للوصول إلى المثالية، وفي الأغلب الأعم تكون الأسرة هي اللاعب الرئيس في تلك المسألة، فهي التي تشعره بضآلة حجمه، وصغر عقله، وأنه ليس أهلًا لتحمل المسئولية، وبعد كل ذلك تجد كثيرًا من الآباء في وقت معين يطالبون أبناءهم (أنه علينا أن نكون مسئولين، يعني أن نقوم بالأمور جيدًا، وخاصةً عندما يعتمد علينا الآخرون) [المراهقون يتعلمون ما يعيشونه، دوروثي لو نولتي، وراشيل هاريس، (272)].
وقت الفطام:
الآن يمكننا يا شباب أن نستخلص من هذا الكلام، ومما قلناه سابقًا أنه (كما يحتاج الوليد إلى الفطام عن ثدي أمه، والاستقلال في تناول حاجاته العضوية، من طعام وشراب، فإن المراهق بحاجة إلى الفطام عن الاعتماد على الغير، إلى الاعتماد على النفس، ومن الاتكالية النفسية والعاطفية على الوالدين وغيرهم إلى الاستقلال في مواجهة المشكلات واتخاذ القرارات) [المراهقون دراسة نفسية إسلامية، د.عبد العزيز النغيمشي، (112)].
ولاشك أن الفطام العضوي يحتاج إلى معاناة وصبر، ويحتاج إلى تدريب، والطرق فيه مختلفة، فمنها الذي يحمل الأذى وتنعكس آثاره السلبية على الطفل، ومنها على عكس ذلك الناجح السهل الذي يحقق الأهداف دون أن يترك آثارًا سلبية على طفل، وكذلك الفطام النفسي والعاطفي في المراهقة، (فعلى الوالدين والمربين أن يعملوا على تنمية الاتجاه إلى تحمل المسئولية لدى أبنائهم ومربوبيهم؛ ليتمكن هؤلاء من الخروج إلى ساحات المجتمع لممارسة دورهم ومسئولياتهم في الحياة العامة، بطريقة سوية).
والآن يأتي دور السؤال: ما هي السبل العملية؛ التي من خلالها نتهيَّأ لتحمل المسئولية.
برامج عملية لصناعة دورك الجديد
والآن بإذن الله نتهيأ سويًّا؛ لنكون أكثر واقعية، وننزل إلى ساحات حياتنا العملية، مقترحين بعض الإجراءات التي تساعد المراهق، وكذلك تدعم المربي وتعين كل منهما على التهيؤ لتحمل المسئولية، وصناعة دور جديد، حري به أن يبعث فينا الشعور بتحمل المسئولية، وذلك من خلال عدة مجالات:
معاملة فعالة:
وهنا نتحدث على وجه التحديد عن أسلوب المعاملة، (حيث يتأثر المراهق بنوع المعاملة التي يلقاها من والديه ومربيه، فهي إما أن تعوده على الأخذ والعطاء، والمبادرة والمشاركة، وإما أن تجعله سلبيًا منزويًا لا رأي له، يعتمد على الكبار في كل شيء) [المراهقون دراسة نفسية إسلامية، د.عبد العزيز النغيمشي، ص (113)].
ونذكر هنا بعض أساليب المعاملة الفعالة الإيجابية:
- استخدام الحوار والنقاش مع الشباب عند طرح الآراء في المجالس، وعند تقويم الأحداث والأفكار والأشخاص، وعند إصدار الأوامر والنواهي، ويكون ذلك مثلًا (من خلال إشراك الأب لابنه المراهق في اتخاذ القرار، أو العلاج المناسب لحل المشكلة، أو تحسين الأداء، وكذلك البدائل التي سوف تطرح) [مراهقة بلا أزمة، د. أكرم رضا، (98)].
- استخدام الشورى في المناسبات المتعلقة بالأسرة والعائلة والمدرسة، (كمناسبات الزواج، والرحلات، والتنقلات، ونوع المدرسة، والسيارة، والبيت)، نستطيع أن نقول باختصار، إن الشورى في كل ما يصلح للمربي أن يشاور فيه أبناءه؛ لتعويدهم على القيام بدورهم وتحمل المسئولية.
- التعويد على اتخاذ القرارات، فقد يعمد الأب أو المربي إلى وضع الابن في مواضع التنفيذ، وفي المواقف الحرجة، التي تحتاج إلى المبادأة، وإلى اتخاذ القرارات، وتحمل ما يترتب عليها، وذلك تعويدًا له على مواجهة الحياة والتفاعل معها.
مشاركة أسرية:
(إذ أن الأسرة كالمجتمع الصغير، لها أعضاء وأنظمة، وقيادة وميزانية، وبرنامج وعادات، ويمكن من خلالها ممارسة كثير من الأدوار والمسئوليات، والأسرة هي المحضن الأول للفرد، الذي فيه يترعرع وينشأ، ووفق كيفية النشأة والتربية في الأسرة تكون استقلاليته أو تبعيته، وإقدامه أو إحجامه) [المراهقون دراسة نفسية إسلامية، د.عبد العزيز النغيمشي، (114)].
وللمشاركة الأسرية صور متعددة، ومنها:
- التعويد على القيام ببعض المسئوليات؛ كالإشراف على الأسرة والقيام ببعض شئونها أحيانًا، وخصوصًا في غياب ولي الأمر، والإشراف على بعض الرحلات الأسرية، والقيام بها استقلالًا أحيانًا، والسعي في الإجراءات المدرسية، والإدارية، والوظيفية، التي تتعلق بالأسرة... إلخ.
- التعويد على النفقة والاستقلالية المالية، وذلك بمنحه مصروفًا ماليًا كل شهر أو كل أسبوع، ويقوم بالصرف على البيت، وعلى نفسه، مع مساعدته بإعطاء المعلومات والخبرة اللازمة، وقد لا يتولى الصرف بشكل كلي، وإنما يقوم بالصرف على جوانب معينة في بادئ الأمر، وقد يستعمل الآباء والمربون صورًا أخرى تكون أنجح وأيسر، والمهم هو العناية بهذا الجانب، والاعتماد على النفس.
- ومن الأهمية بمكان: التعويد على التخطيط للمستقبل، وبدء التنفيذ؛ بإشعار المراهق أنه يستقبل الحياة، ولابد أن يتحمل تبعاتها، وأن يخطط لها، فيكون إيجابيًا في اختيار توجهه الدراسي، والوظيفي، والزوجي، والدور الاجتماعي، وأن يُربط بأهمية التخطيط الواقعي، والعملي لمستقبله.
مشاركة اجتماعية:
فالمشاركة الاجتماعية مجال رحب وواسع؛ لتدريب المراهق، وعن طريق المجتمع يتعود المراهق على مسئوليات قد لا يجد لها مثيلًا في الأسرة أو الرفقة، وهناك مجالات شتى وكثيرة للمشاركة في المجتمع ومسئولياته، حري بالمراهق أن يطرق أبوابها، وأن يسبر أغوارها، ومنها مثلًا:
- ممارسة الدعوة إلى الله، عن طريق برامج التوعية والثقافة الإسلامية في المدارس أو الجامعات، وعن طريق نشاط المساجد في تحفيظ القرآن، والندوات الثقافية، والحلق العلمية والمكتبات، وعن طريق الرحلات الدعوية، والخلوية، ورحلات الحج والعمرة، وغير ذلك من الأنشطة.
- ومن ضمن المشاراكات الاجتماعية، التي تهيأ المراهق وتدربه على تحمل المسئولية؛ القيام بالأعمال التطوعية، وهي مرتبطة بسابقاتها، إذ أن الأعمال التطوعية تدخل في الأعمال الدعوية، لكنها تأخذ طابع المساعدات الاجتماعية؛ كمساعدة الفقراء والمحتاجين، وتفقد أحوالهم، والمشاركة في المواسم العبادية، مثل رمضان والأعياد بتوزيع الصدقات والهدايا، كذلك زيارة المرضى ومساعدتهم، ومن ذلك المساعدات الدراسية في حل الواجبات المدرسية، ومساعدة زملائه عند الحاجة، هذا بالإضافة إلى المشاركة في الجمعيات التي تقوم بمثل هذه الأعمال وما يشابهها، وهذه الأعمال تعد من أحب الأعمال إلى الشباب، وأكثرها إعجابًا وجذبًا لهم في هذه المرحلة.
- العمل المؤقت والمستمر، وذلك بأن يعمل الآباء والمربون على ربط أبنائهم بأعمال تجارية، أو مهنية، أو وظيفية، منذ وقت مبكر ويمكن البدء أولًا بأعمال موسمية مؤقتة في العطل والأجازات، وبأعمال لا تتطلب الدوام الكامل في الأيام العادية، ويكون لهذه الأعمال عائد مادي، وإنجاز عملي يحس مه المراهق أنه قادر، ومستقل، وصاحب مسئولية.
همسة في أذن الآباء:
كما أنه على الأبناء أن ينطلقوا نحو تحمل مسئولياتهم، فعلى عاتق الآباء تقع مسئولية التربية، وقبل أن يطالبوا أبناءهم، هم مطالبون، وقبل أن يرشدوا أبناءهم إلى تحمل المسئولية، فلابد أن يتحملوا مسئولياتهم تجاه أبنائهم وفلذات أكبادهم، كي يخرجوا برعايتهم، غصنًا نضرًا قويًا، فنستطيع أن نقول أن التربية، (هي نوع من المعايشة والممارسة والملاحظة، هي محاولة لتليين الحديد والطرق عليه وهو ساخن، حتى يستقيم ويستوي، هي إخراج الخبث من الذهب؛ ليصفو معدنه ويظهر بريقه، ويجذبك لمعانه) [مراهقة بلا أزمة، د.أكرم رضا، (26)].
فإذا صنعتم من أبنائكم المراهقين، رجالًا يتحملون المسئوليات، ويتصدون للملمات، ويواجهون المشكلات، فعليكم إذًا تؤكدوا على مر الليالي تلك المعاني: (علموا أبناءكم المراهقين تلازم الحقوق مع المسئوليات، تحدثوا معهم عن حقوقهم ومسئولياتهم وحقوقكم ومسئولياتكم، تحدثوا دائمًا عن مشكلة من يريدون أخذ حقوقهم، إلا أنهم يرفضون تحمل مسئولياتهم) [كيف تقولها للمراهقين، ريتشارد هيمان، (472)].
المصادر:
المراهقون يتعلمون ما يعيشونه دوروثي لو نولتي، وراشيل هاريس.
المراهقون دراسة نفسية إسلامية د.عبد العزيز النغيمشي.
كيف تقولها للمراهقين ريتشارد هيمان.
مراهقة بلا أزمة د.أكرم رضا.
الكاتب : محمد السيد عبد الرازق - موقع مفكرة الاسلام