|
|
|
|
|
|
اقتران الصبر بالتقوى.. حكم وأسرار
|
اقتران الصبر بالتقوى |
تمت الإضافة بتاريخ : 09/07/2011م الموافق : 8/08/1432 هـ |
بقلم: د. توفيق علي زبادي* إن ما يتعرض له الدعاة إلى الله من صنوف البلاء، سُنَّة من سنن الله في العقائد والدعوات، كما أن تعاقب الليل والنهار سُنَّة من سنن الله في الكون، لا يخلو منها نبي ولا ولي، وإلا قد عُفي منها الأنبياء- عليهم السلام- وهم أحب الخلق إلى الله. وأعداء الله- عزَّ وجلَّ- يمكرون بالدعاة ويريدون لهم أن يكونوا في السجون أو القبور، ولا يريدون لفكرتهم أن تنتصر وتنتشر، ويلصقون بها كل نقيصة، وواجب الدعاة إلى الله أن يتمسكوا بما أمرهم الله به أثناء وقوع هذه السنة عليهم، كما وضح في كتابه الكريم، فقد أمر سبحانه المؤمنين بالصبر والتقوى، وقرن بينهما في القرآن في مواضع كلها مواضع محنة وابتلاء شديدين للمؤمنين. ولما التزم المؤمنون توجيهات ربهم- سبحانه وتعالى- أثمرت هاتان الصفتان ثمارًا يانعةً منها: أولاً: بالصبر والتقوى تتحقق السلامة من شر الأشرار وكيد الفجار: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)) (آل عمران). قال ابن كثير- رحمه الله-: "يرشدهم تعالى إلى السلامة من شرِّ الأشرار وكيد الفجار باستعمال الصبر والتقوى والتوكل على الله الذي هو محيط بأعدائهم فلا حول ولا قوة لهم إلا به، وهو الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولا يقع في الوجود شيء إلا بتقديره ومشيئته ومن توكَّل عليه كفاه" (1)، "فهو الصبر والعزم والصمود أمام قوتهم إن كانوا أقوياء; وأمام مكرهم وكيدهم إن سلكوا طريق الوقيعة والخداع. الصبر والتماسك لا الانهيار والتخاذل; ولا التنازل عن العقيدة كلها أو بعضها إتقاءً لشرهم المتوقع أو كسبًا لودهم المدخول. والخوف من الله وحده، ومراقبته وحده هو تقوى الله التي تربط القلوب بالله، فلا تلتقي مع أحدٍ إلا في منهجه, ولا تعتصم بحبل إلا حبله.. وحين يتصل القلب بالله فإنه سيحقر كلَّ قوة غير قوته; وستشد هذه الرابطة من عزيمته, فلا يستسلم من قريب, ولا يواد من حاد الله ورسوله, طلبًا للنجاة أو كسبًا للعزة! هذا هو الطريق: الصبر والتقوى" (2). ثانيًا: الصبر والتقوى شرط المدد الإلهي: قال تعالى: (بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125)) (آل عمران)، فكل من قام بحقِّ أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر فلا بدَّ أن يؤذى، فما له دواء إلا الصبر في الله والاستعانة بالله والرجوع إلى الله عزَّ وجلَّ (3)، قال الحسن البصري- رحمه الله-: "فهؤلاء الخمسة آلاف ردء للمؤمنين إلى يوم القيامة" (4). ثالثاً: بالصبر والتقوى تنال ثواب أهل العزم: قال تعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (186)) (آل عمران). وإن تصبروا وتتقوا تنالوا ثواب أهل العزم؛ "إنها سنة العقائد والدعوات، لا بدَّ من بلاء, ولا بدَّ من أذى في الأموال والأنفس، ولا بدَّ من صبر ومقاومة واعتزام. إنه الطريق إلى الجنة، وقد حفت الجنة بالمكاره، بينما حفت النار بالشهوات. ثم إنه هو الطريق الذي لا طريق غيره, لإنشاء الجماعة التي تحمل هذه الدعوة, وتنهض بتكاليفها، طريق التربية لهذه الجماعة; وإخراج مكنوناتها من الخير والقوة والاحتمال، وهو طريق المزاولة العملية للتكاليف; والمعرفة الواقعية لحقيقة الناس وحقيقة الحياة. ذلك ليثبت على هذه الدعوة أصلب أصحابها عودًا، فهؤلاء هم الذين يصلحون لحملها- إذن- والصبر عليها. فهم عليها مؤتمنون؛ وذلك لكي تعز هذه الدعوة عليهم وتغلو, بقدر ما يصيبهم في سبيلها من عنت وبلاء, وبقدر ما يضحون في سبيلها من عزيز وغال، فلا يفرطوا فيها بعد ذلك, مهما تكن الأحوال" (5). "إنها سنة الدعوات، وما يصبر على ما فيها من مشقة; ويحافظ في ثنايا الصراع المرير على تقوى الله, فلا يشط فيعتدي وهو يرد الاعتداء; ولا ييأس من رحمة الله ويقطع أمله في نصره وهو يعاني الشدائد.. ما يصبر على ذلك كله إلا أولو العزم الأقوياء. ومن ثَمَّ تستبشر بالابتلاء والأذى والفتنة والادعاء الباطل عليها وإسماعها ما يكره وما يؤذي.. تستبشر بهذا كله, لأنها تستيقن منه أنها ماضية في الطريق التي وصفها الله لها من قبل، وتستيقن أن الصبر والتقوى هما زاد الطريق، ويبطل عندها الكيد والبلبلة ويصغر عندها الابتلاء والأذى; وتمضي في طريقها الموعود, إلى الأمل المنشود.. في صبر وفي تقوى.. وفي عزم أكيد" (6). رابعًا: بالصبر والتقوى يتحقق الفلاح: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)) (آل عمران).. قال ابن القيم- رحمه الله - أمرهم بالصبر وهو حال الصابر في نفسه، والمصابرة وهي حاله في الصبر مع خصمه، والمرابطة وهي الثبات واللزوم والإقامة على الصبر والمصابرة، فقد يصبر العبد ولا يصابر وقد يصابر ولا يرابط، وقد يصبر ويصابر ويرابط من غير تعبدٍ بالتقوى فأخبر سبحانه أن ملاك ذلك كله التقوى، وأن الفلاح موقوف عليها فقال: (وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، فالمرابطة كما أنها لزوم الثغر الذي يخاف هجوم العدو منه في الظاهر فهي لزوم ثغر القلب لئلا يدخل منه الهوى والشيطان فيزيله عن مملكته (7). خامسًا: بالصبر والتقوى يتحقق العز والتمكين: قال تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (يوسف: من الآية90). فانظر إلى يوسف عليه السلام.. تعرَّض للبلاء، وهو سلالة الأنبياء، فهو الكريم ابن الكريم يعقوب ابن الكريم إبراهيم عليهم السلام، فكانت مكافأة الله له أن مكَّن الله له في الأرض. سادسًا: بالصبر والتقوى تتحقق وراثة الأرض: قال تعالى: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)) (الأعراف). إنه ليس لأصحاب الدعوة إلى رب العالمين إلا ملاذ واحد, وهو الملاذ الحصين الأمين, وإلا ولي واحد وهو الولي القوي المتين، وعليهم أن يصبروا حتى يأذن الولي بالنصرة في الوقت الذي يقدره بحكمته وعلمه. وألا يعجلوا, فهم لا يطلعون الغيب, ولا يعلمون الخير.. وإن الأرض لله، وما- الأشرار والفجار والمجرمون والظالمون- إلا نزلاء فيها، والله يورثها من يشاء من عباده- وفق سنته وحكمته- فلا ينظر الداعون إلى رب العالمين, إلى شيء من ظواهر الأمور التي تخيل للناظرين أن الطاغوت مكين في الأرض غير مزحزح عنها.. فصاحب الأرض ومالكها هو الذي يقرر متى يطردهم منها! وإن العاقبة للمتقين.. طال الزمن أم قصر.. فلا يخالج قلوب الداعين إلى رب العالمين قلق على المصير، ولا يخايل لهم تقلب الذين كفروا في البلاد, فيحسبونهم باقين" (8). ألا فليوطن الدعاة أنفسهم على الصبر ويغذوه بالتقوى إذا ضعف أو نفد؛ ليتحقق لهم موعود الله بالنصر والتمكين في الدنيا، والفلاح في الآخرة. ---------- * الهوامش: (1) تفسير ابن كثير، (ج1/528). (2) في ظلال القرآن، (ج1/447). (3) تفسير ابن كثير، (ج1/577). (4) تفسير القرطبي، (ج4/ 190). (5) في ظلال القرآن، (ج1/534). (6) في ظلال القرآن: 1/ 541. (7) عدة الصابرين ص 17 (8) في ظلال القرآن، (ج3/1355). ------------- * عضو هيئة التدريس بمعهد الإمام الشاطبي المصدر موقع ينابيع تربوية ______________________________________ |
استعن بالله ثم سر على بركة الله. | |||
|
العبادة وأثرهـا عند الشدائد والمحن
|
العبادة وأثرهـا عند الشدائد والمحن |
تمت الإضافة بتاريخ : 13/10/2011م الموافق : 16/11/1432 هـ |
أ . حســــــان العماري /خاص ينابيع تربوية الحمدُ لله الذي بنعمته اهتدى المهتدون ، وبعدله ضل الضَّالون . لا يُسألُ عما يفعل وهم يُسألون . أحمدهُ سبحانه على نعمه الغزار ..وأشكره وفضله على من شكر مدرار .. لا فوز إلا في طاعته، ولا عِزَّ إلا في التذلل لعظمته، ولا غنى إلا في الافتقار لرحمته ... يا ربي حمداً ليس غيرُك يُحمد ... يا من له كل الخلائق تصمدُ أبوابُ كلُ الملوكِ قد أوصدت ... ورأيت بابك واسعاً لا يوصدُ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار ..وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المختار .. المبعوث إلى الناس كافة بالتبشير والإنذار .. إن البريةَ يومَ مبعثِ أحمدٍ ... نظر الإله لها فبدّل حالها بل كرمَ الإنسانَ حين اختار من ... خير البريةِ نجمُها وهلالها صلى الله عليه وسلم صلاة تتجدد بركاتها بالعشي والإبكار وعلى آله وأصحابه وأتباعه الأبرار .. أما بعــــد : عبـــــــــاد الله : - لقد شرع سبحانه وتعالى على الناس عبادات متنوعة وطاعات مختلفة وقربات متعددة وأمرهم بالقيام بها وأدائها على أفضل وجه وأحسن حال بنية خالصة يبتغي بها العباد وجه ونيل رضاه والطمع في جنته والخوف من عذابه وناره وسخطه قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 21، 22]. وقال تعالى( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ )[البينة:5].. والعبادة هي الغاية التي من أجلها أرسل الله الرسل وبعث الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه يقول سبحانه ("وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ" ) (النحل:36) .. والإنسان محتاج للعبادة لأنه مفتقر إلى الله تعالى في كل أحواله لأن الله هو الذي خلقه وأوجده من العدم ثم أحياه ورزقه وهو الذي بيده سبحانه وتعالى موت هذا الإنسان وحياته وسعادته وراحته وقد خاطب الله الناس جميعاً فقال( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ " (فاطر : 15) والعبادة لها أثر في حياة الإنسان وسعادته وبركة عمره وسعة رزقه بل لها أثر في صلاح أعماله وأهله وأولاده وصحته بل إنها سببٌ للفلاح في الدنيا والآخرة وهي حرز من غضب الله وسخطه وناره قال تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ .فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (المؤمنون:1-11) عبـــــــــاد الله : - إذا كانت العبادة بهذه الأهمية في حياة المسلم فإن أهميتها تتضاعف عند حلول المصائب والفتن وأثرها يقوى عند الشدائد والمحن ودورها في حياة المسلم يظهر عندما تحل المشاكل والصراعات وينزل البلاء فتصاب النفوس بالقلق والهم والحزن وعدم راحة البال واستقرار الحال .. عندها لا بد للمسلم من أن يلجأ إلى قوة يستمد العون والمدد منها ويحصل على الراحة والطمأنينة بها ويتجاوز المحن والفتن والمصائب والإبتلاءات عن طريقها وهذه القوة هي قوة الله وحده سبحانه وتعالى التي يصل إليها العبد بإيمانه بالله وحسن عبادته والتزام شرعه والثبات عليه قال تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) (الحج:11) .. فالعبادة بجميع صورها من صلاة وصيام ودعاء وقراءة للقرآن وذكر الله والصدقة ومساعدة المحتاج وكف الأذى عن الآخرين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقول كلمة الحق ونصرة المظلوم وغيرها من العبادات والطاعات من أعظم الأسباب التي تعين المسلم على الثبات على الحق و بها ينال حفظ الله ورعايته وتدفع عن أمته ومجتمعه بسببها الكثير من المصائب والفتن قال تعالى ( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} (النساء/ 66-68) ذلك أن الإنسان عندما يتعرض للفتن والمصائب والمحن يطيش عقله وتسوء تصرفاته وتزيد ذنوبه ومعاصيه وتكثر همومه وأحزانه فيخسر دينه ودنياه وآخرته ولا يثبت على الحق والخير والمعروف إلا من وطن نفسه على طاعة الله ولم ينشغل بما أصابه عما أوجبه الله عليه قال تعالى( إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) [المعارج:19-23] وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )(البقرة/153) .. و كان صلى الله عليه وسلم إذا أدلهمت الخطوب وكثرة الهموم وتوالت المصائب والابتلاءات لا يجد ملجأ وطريقاً للراحة إلا في عبادته وفي صلاته فكان يقول ( أرحنا بها يا بلال ) (صححه الألباني في صحيح أبي داود (4172) .. بل بين صلى الله عليه وسلم أهمية العبادة وفضلها عند نزول البلايا والمصائب والفتن فعن مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ) صحيح مسلم ( 2948) قال النووي " قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ ) الْمُرَادُ بِالْهَرْجِ هُنَا الْفِتْنَةُ وَاخْتِلَاطُ أُمُورِ النَّاسِ (وقيل كثرة القتل) وَسَبَبُ كَثْرَةِ فَضْلِ الْعِبَادَةِ فِيهِ أَنَّ النَّاسَ يَغْفُلُونَ عَنْهَا ، وَيَشْتَغِلُونَ عَنْهَا ، وَلَا يَتَفَرَّغُ لَهَا إِلَّا أَفْرَادٌ .(المنهاج18 / 88 ) .. و قال ابن الجوزي : إذا عمت الفتن اشتغلت القلوب ، وإذا تعبد متعبد حينئذ دل على قوة اشتغال قلبه بالله عز وجل فيكثر أجره . (كشف المشكل 1 / 340 ) أيها المؤمنون / عبـــاد الله :- إن الإختلافات والصراعات والمصائب والفتن قدر الله يبتلي بها العباد تمحيصاً لذنوبهم واختباراً لإيمانهم ورفعاً لدرجاتهم وتمييزاً للمحسني منهم من المسيء والخير من الشر والحق من الباطل لذلك ينبغي لكل مسلم أن يكون مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر لا يرى الله من أعماله إلا ما كان سبباً في تآلف القلوب وإصلاح ذات البين وإظهار الحق ونشر الخير وحفظ الأموال والأعراض والدماء لينال محبة الله ورعايته وحفظه وعليه أن يكثر من الطاعات والعبادات ليحقق الأمن في نفسه وأهله وماله فالشدائد والمحن والمصائب والفتن تورث الهم والقلق والخوف من الموت أو من فوات الرزق أو حتى من المستقبل المجهول لكن المسلم يعتقد ويرى غير ذلك فلا المصائب والفتن تقرب في أجل ولا تزيد في عمر ولا تمنع رزقاً وكل شيء بإرادة الله ومشيئته يردد قوله تعالى: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) [التوبة:51] وقال عليه الصلاة والسلام «إن روح القدس نفث في رُوعِي أن نَفْساً لن تمـوت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، ولا يححملنَّ أحدَكم اسـتبطاءُ الرزق أن يطلبـه بمعصيـة الله؛ فإن الله - تعالى - لا يُنَال ما عنده إلا بطاعته»( رواه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه، وهو حديث صحيح، كما في صحيح الجامع للألباني 2085) لكن النفوس جبلت على ذلك الخوف والوهم فعالج الإسلام ذلك بتقوية الإيمان والتزود بالطاعات والعبادات فالصلاة ضمان وأمان من الله لعباده فقد روى الإمام أبو داوود عن أبي امامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاثة كلهم ضامن على الله عز وجل ) وذكر منهم ( ورجل راح إلى المسجد فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أجر وغنيمة ) (حديث صحيح) و في الصلاة راحة وأمان فكيف يخاف العباد ؟ عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عيه وسلم قال: ((من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله تعالى)) [ابن ماجه:3946 صحيح] .. يقول كوليم الإنجليزي الذي أسلم وسمى نفسه عبد الله «إنه حينما كان مسافراً على ظهر باخرة إلى طنجة إذا بعاصفة قد هبت وأشرفت السفينة على الغرق وأخذ الركاب يحزمون أمتعتهم ويهرولون فى كل اتجاه وقد اضطربوا لا يدرون ما يصنعون وإذا به يرى جماعة من المسلمين قد استوت في صف واحد يكبرون ويهللون ويسبحون.. فسأل أحدهم : ماذا تفعلون؟ فقال : نصلي لله... فسأل : ألم يلهكم إشراف السفينة على الغرق ؟ فقال : لا إننا نصلي لله الذي بيده وحده الأمر إن شاء أحيا وإن شاء أمات .. وقد كان هذا الحادث سببا في بحثه عن الدين الإسلامي وهدايته للإسلام وأصبح من كبار دعاة الإسلام في إنجلترا وقد أسلم على يديه الكثير .. والذكر راحة وطمأنينة قال تعالي : (يَا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا اذكُرُوا اللّه ذِكراً كَثيراً وَ سَبِّحُوهُ بُكرَةً وَ أصٍيلاً هُوَ الَّذي يُصَلِّي عَلَيكُم وَ مَلائِكَتُهُ لِيُخرٍجَكُم مِن الظُّلُمات إلي النُّورِ وَ كان بِالمُؤمِنين رَحِيماً )(الأحزاب/ 44 ) وقال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( ماأصاب عبداُ هم ولاحزن فقال :" اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماضِ في حكمك ، عدل في قضاؤك أسالك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك ، أوعلمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي" . إلا أذهب الله حزنه وهمه وأبدله مكانه فرحاً ) (رواه أحمد وصححه الألباني(الكلم الطيب ص74 ) .. إن يونس عليه السلام لما ألقي في البحر والتقمه الحوت وهو في كرب وضيق وظلمات بعضها فوق بعض و ليس معه أحد لم ينفعه إلا عبادته وطاعته لله فنادى في الظلمات : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. قال أهل التفسير: سمعت الملائكة هذه الكلمة فبكت وقالت: يا رب! صوت معروف من عبد معروف فقال تعالى( فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [الصافات:143-144] اللهم هب لنا توبة تغفر بها ذنوبنا وتصلح بها أحوالنا يا أرحم الراحمين .. قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه . الخطــــبة الثانــية : - عبــــاد الله :- إنَّ للعبادة راحة ٌ في القلب و سكينة ٌ في النفس و سَعة وبركةٌ في الرزق لا يَشعر بها إلا منْ ذاقَ حقاً حلاوة الطاعة وهَجرَ المعاصي والذنوب وأقبل على الله يقيم شرعه ويقتدي بنبيه صلى الله عليه وسلم ... إن المؤمن بعبادته يكون في عز المحنة وشدتها وهولها قوياً ثابتاً ، مطمئناً ثقته بوعد الله – وأمله بتوفيقه ولطفه – كبير هذا رسولنا صلى الله عليه وسلم يقول لصاحبه وهو في الغار ( لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)(التوبة: من الآية40) وقال تعالى ( قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ) (الانبياء:69) ما أعظــم هذه الطمأنينة والنسكينة في القلــب ، والتي تجعل الإنسان المسلم في قمة السعادة وراحة البال .. فليتك تحلو والحياة مريرة **** وليتك ترضى والأنام غضابُ إذا صح منك الود فالكل هينٌ **** وكل الذي فوق التراب ترابُ فاللهم اجعل لنا من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل عسر يسرا ومن كل بلاء عافية ... و احقن دمائنا واحفظ بلادنا وألف بين قلوبنا .. يا أرحم الراحمين .. هذا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله و أصحابه الطيبين الطاهرين والحمد لله رب العالمين |
الذَوْق .. خُلُقْ الصالحين
|
الذَوْق .. خُلُقْ الصالحين |
تمت الإضافة بتاريخ : 28/09/2011م الموافق : 1/11/1432 هـ |
بقلم : نبيل جلهوم اللهم إنى أشهدك أنى أحب نبيك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم , رسول الانسانية , ومنبع الأخلاق الذكية , وأساس الخيرات الدنيوية والأخروية , والداعى لكل مافيه السعادة والسرور لجميع البشرية , مَنْ جَعلْت منه الرحمة المهداة , وفى إتباعه الأساس لكل من يرجو النجاة , صاحب الخلق العظيم , والذوق العالى الرفيع , الذى منحته الحياء الجميل فجملته به وزينته , فلم تجعله صلى الله عليه وسلم إلا نورا لكل سالك , وهداية لكل شارد , وجعلت الفخر والكرامة والعزة لكل مسلم فى أن يتبع ذلك الرسول الإنسان , صاحب أفضل الأخلاق وجميل الخصال الحسان , من كان بالطفل وبالزوجة والبنون والبنات والناس رؤوفا رحيما صلى عليه الله النبى العدنان . زينته بالحلم وأكرمته بالعلم وفقهته فى الدين فجعلت منه النور المبين لكل من أراد أن يتخلق بأخلاق الصالحين المؤمنين ,صلى عليك الله يارسول الله صلاة كاملة وسلاما تاما تكونان سببا فى حل عقدنا وانفراج كربنا وقضاء حوائجنا والفوز بجميل وأحسن الرغائب , وعلى آلك وصحبك فى كل لمحة ونفس بعدد كل معلوم عند الله أرحم الراحمين وحبيب سيد المرسلين . لماذا الذوق ؟؟؟ لأنه سلوك غفل عنه كثير من عوام الناس إلا من رحم الله , وكثير كذلك من الملتزمين بالدين , فضاعت ذوقيات التعامل وأصبحنا نرى سلوكيات يندى لها الجبين , قد لا تحدث ممن هم على غير ديانة سيد المرسلين النبى محمد طه الأمين . الذوق والاسلام : ما الذوق فى الاسلام إلا شعار الدين والباعث الحقيقى لكل خلق متين والداعى لكل خير وجمال ومتانة فى علاقات الناس أجمعين , فله ترتاح النفوس وبه تزداد المحبة والراحة ويزول كل كرب وهمّ عن المكلوم ومن يحملون ضيقا فى النفوس . بالذوق .. ستُحل المشاكل ومعضلات الأمور . بالذوق .. سيفوز الناس بقلوب صافية . بالذوق .. لن نجد بين المسلمين الغل والحق والحسد . بالذوق .. سترتاح النفوس ولن تجد إلا كل جمال وسعد وتكافل ملموس بين الناس ومحسوس . صدق الله العظيم : صدقت ربى وتعاليت عندما مدحت وأثنيت على نبيك وحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم عندما قلت وقولك الحق :( وإنك لعلى خلق عظيم ) القلم آية4 . فلم تمتدحه فى هذه الآية الشريفة بعشيرته .. ولم تمتدحه بفتوته .. ولم تمتدحه بشجاعته .. ولم تمتدحه برسالته .. وهذا كله وغيره يستحق المدح به والثناء عليه , إلا أنك ياربنا ياعظيم أردت بهذه الآية البسيطة والمكونة من أربع كلمات .. أردت بها ومنها أن تعطى الاشارات وتنبهنا إلى نبينا العظيم وإلى أخلاقه العظيمة التى لم يبلغها أحد مثله , وكأنك ياربنا ترسل لنا ومضات مُسعدات لنا فى حياتنا لن نجدها إلا أذا كنا كحبيبك بالأخلاق عظماء وبالذوقيات والسلوكيات علماء ومطبقين لها وفقهاء . نحو ذوقيات هامة : 1. الاتصالات : قد تجد كثيرا من الناس يتصل بك على الهاتف بطرق لا ذوق فيها ولا أخلاق , يطلبون الرقم ويظلون على الاتصال دون توقف , فى الوقت الذى يجب أن يتوقف بعد مرور ثلاث رنات على الهاتف , فقد يكون المتصل عليه مشغولا فى أمر هام , قد يكون بعمل أوإجتماع لا يستطيع الرد وقتذاك , قد يكون مريضا غير قادر على الحديث بالهاتف , قد يكون الهاتف على وضعية الصامت , قد يكون المتصل عليه نائما , قد يكون وقد يكون وقد يكون .. فيا متصلا بالهاتف كثيرا .. لا داعى أن تطيل الاتصال وتكرره كثيرا .. وكن صاحب ذوق وإكتفى بثلاث رنات .. فالذوق جمال ورحمة واللبيب بالاشارة يفهم . 2. البيوت : قد يذهب البعض إلى الناس فى بيوتهم , فيطرقون الباب المرة وعشرات المرات فى حين أن الاسلام قد حدد فى ذلك مايدلل على جمال الذوق والأخلاق بأن تطرق الباب مرة ثم تنتظر ثم تتبعها الثانية ثم تنتطر ثم الثالثة وتبتعد عن الباب ’ فاذا لم يرد عليك أحدٌ فتوكل على ربك وإرجع هو أقرب للتقوى وأحفظُ لماء الوجه .فقد يكون صاحب الدار نائما وقد يكون على غير إستعداد لأن يقا بلك وقد يكون الدار غير منظما ولا مرتبا وقد يكون وقد يكون وقد يكون ...فيا طارقا لأبواب الناس .. كن صاحب ذوق وتأدب بأداب الاسلام .. فالذوق سعادة . 3 . رسائل الهواتف : قد تجد كثيرا من الناس تصله رسائل على هاتفه المحمول من أناس يحبونه , رغبوا فى تهنئته بمناسبة سعيدة أو بدعاء جميل أو تذكيرا بطاعة , ثم لاتجد من هؤلاء ردا على رسائل الغير , لا مبالاة ولا إهتمام , فى حين أن الأخرين كلفوا أنفسهم بكتابة الرسائل وبقيمتها صغيرة كانت أو كبيرة وعبّروا عن طيب أخلاقهم وجميل ذوقياتهم , إلا أن المرسلة اليهم الرسائل قد قابلوا هذا الحب وذلك الذوق بعدم الرد برسائل مثلها , ناسين قول ربهم : واذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا ) النساء36 . مما قد يصيب المُرسِل بضيق وحزن بسبب عدم إهتمام المرسل إليه الذى قد يكون بذلك متكبرا على عباد الله الذين أحسنوا وبادروا وعبّروا عن جميل خلقهم وجمال ذوقياتهم ... فياهذا المتكبر .. لم تتكبر ؟؟ وعلام تتكبر ؟؟؟ أنسيت أنك قد خلقت من منّى يمنى ؟؟ كن صاحب ذوق وأحسن الى الناس كما يحسنون إليك .. وهل جزاء إحسانهم إليك تجاهلك لهم ... فالذوق دليل التربية الطيبة والفهم الجميل لمعانى الاسلام . 4. الإقتراض : قد تجد من يقترض منك لحاجة ماسة , فتقرضه ثم إذا قدمت له ورقة لاثبات الدين وطريقة السداد تجده يحزن منك ويتضايق كيف تفعل ذلك معه ألست واثقا فيه ألست مؤتمنا له , وهكذا كثير من الانفعالات الغير طبيعية والتى تصطدم فى حقيقتها مع شرع الله الذى أتى إلينا به فى سورة البقرة بقوله : ( ياأيها الذين آمنوا اذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه .... ) البقرة 282 . سبحان الله يأمر المولى تعالى بكتابة الديْن ويوجه خطابه للذين آمنوا ... أليس فى ذلك مصلحة للذين آمنوا وتطبيقا للشرع وضمانا للحقوق ؟ فلماذا تكون ردود الأفعال الغريبة من جرّاء كتابة الدين . أليس فى كتاب الله دستورا لنا ينظم حياتنا الاجتماعية فيما بيننا ويضمن أموالنا تجاه بعضنا ..ألا من باب أولى أن يشكر المقترض صاحب القرض على أن يسّر أمره وفك كربه وأعانه على نوائب الدهر فيا مقترضا .. كن صاحب ذوق .. فالذوق ضمانة إجتماعية توقف الخلافات والمظان السيئة وتضمن الحقوق . 5. القمامات : قد تجد كثيرا من الناس من يقوم برمى قمامات بيته أمام بيوت الناس أو فى الطريق , غير عابئا بمن حوله , مؤذيا للناس , غير مؤديا لحق الطريق , متناسيا قول رسوله وقدوته سيدنا محمد صلى الله عليه فى الحديث الذى رواه ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )) متفق عليه (126) .فيا مؤذيا للناس .. كن صاحب ذوق .. فالذوق هداية .. والجار حبيب للرسول ووحى الرسول . 6. الانتظار : قد تجد بعضا من الناس إذا ذهب إلى مصلحة من المصالح خاصة أو حكومية أو ذهب الى الماركت ليقف أمام الصندوق ليدفع القيمة لما إشتراه أو يقدم أوراقه للموظف , قد تجد بعض هؤلاء يحاولون تخطى غيرهم فى خط الانتظار يريدون أن يتمكنوا من أول الصفوف بلا حياء بلا خجل بلا أدب , متناسين تماما أن فى ذلك أثرة وحب للذات وأن فى ذلك مبغضة لمن يقفون أمامه وظلم وسوء أدب ’ متناسين أن إيمان المرء لايكتمل إلا اذا أحب لأخيه مايحب لنفسه وبأنه لايجوز شرعا التعدى على حقوق الغير و إيذائهم .. فيا أنانيا تحب نفسك ... كن صاحب ذوق .. فالذوق شجاعة. 7. التحيّة : قد تجد بعضا من الناس إذا ألقيت عليه السلام الذى يدلل على إيمانك وشعار فهمك لإسلامك , تجده لايرد السلام عليك ومنهم من يرد غير عابئا , ومنهم من يرد بصوت غير مسموع يوحى لك بأنه لم يرد , فى حين أنه إذا كان إلقاء السلام سنة عن نبينا على من تعرف ومن لاتعرف , إلا أن رد السلام واجب , فضلا عن أنه يدخل السرور على الغير ويحبب الناس فى بعضهم بعضا ويزيد من المودة والتآلف بين الناس .. وقد كان نبينا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم يلقى السلام حتى على الصبيان تحببا وتوددا . فكن يا من لاترد السلام أو ترده بغير لطافة وأدب .. كن صاحب ذوق ورُدّ رداً يدلل على إهتمامك .. فالذوق أدب . 8. الاستعارة : قد تجد من الناس من يستعير منك شيئا , ككتاب أو مجلة أو شيئا من أدوات المنزل الضرورية , ثم تجده لايرده إليك أو يرده بعد وقت طويل أو لايرده إلا اذا طلبته منه .. أو تجده قد أضاعه وأفقده , ومنهم من يرد الشيء المستعار معيبا على غير حالته الطيبة السليمة التى كان عليها وقت الإعارة .. غير عابئا ولا مهتما بالحفاظ على أمانات الناس , بل قد لا يفكر أن يقول لك شكر الله لك .. لاحرمنا الله من مساعدتك .فيا مستعيرا بلا أدب ..هل تقابل الاحسان بإساءة .. كن صاحب ذوق .. فالذوق نعمة . 9. الزيارة : قد يأتى اليك زائر , وما أن يدخل البيت إلا وتجده يعبث ببصره يمنة ويسرة فى قاع البيت وجنباته , غير مهتما بما قد يكون بالبيت من الفتيات والنساء على حالة تستدعى غض بصره , وقد تجده ما أن يجلس إلا ويبدأ يسأل عن كل مايراه كم سعره من أين إشتريته , وقد يطيل الزيارة بما يسبب حرجا لأصحاب البيت , وقد يصل الأمر به إلى أن يصيب بيتك بعين أو حسد ’ تظل بسببه مهموما مكلوما وأهل بيتك لفترات لايعلمها سوى العليم الخبير . فيا هذا .. تأدب عند دخول البيوت وضع بصرك فى الأرض عند الدخول وأخفض فيه صوتك ولاتجلس فى مكان يكشف عورات البيت وأدعوا لأهل البيت وبارك ولاتسترسل فى السؤال فيما لايعنيك ولاتطيل الزيارة , فمن تلطف فى زيارة الناس أحبوه وتشوقوا دائما إليه ... فالذوق مشاعر وأحاسيس جميلة . 10. الأصوات العالية : قد تجد من الناس من يقوم بتعلية أصوات التلفزيون أو الراديو بالدرجة التى تشعرك كأن ذلك الصوت داخل بيتك أنت , ومنهم من يسكن فى الطابق الأعلى ويترك أولاده يلعبون ويطرقون ويدقون ويزعجون . غير مهتمين براحة جيرانهم , وغير ناظرين الى أنه قد يكون بالبيت مريضا يتألم أو طالبا مجتهدا يذاكر ويتعلم . وكأنه يقول بلسان حاله المهم أن أستمتع وأولادى وحدنا فقط ولا يهمنى إذا كان فى ذلك إتعابا لجارى أو راحة له . فيا جار السوء ... إعلم أنك لجارك مؤذيا ولمشاعره مُجرّحا ولراحته مُضيّعا .. فتكون بذلك له ظالما .. قد تنالك منه الدعوات الحارقة فتصبح بسببها فى تيه وتعب بسبب حماقتك وعدم رشدك . قال الله تعالى : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) [النساء: 36] وعن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )) متفق عليه (126) .وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يا أبا ذر ، إذا طبخت مرقة ؛ فاكثر ماءها وتعاهد جيرانك )) رواه مسلم (127) .وفي رواية له عن أبي ذر قال : إن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني : (( إذا طبخت مرقاً فأكثر ماءه ، ثم انظر أهل بيت من جيرانك ، فأصبهم منها بمعروفٍ )) (128) . وعن أبي هريرة رضي اله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن )) ! قيل : من يا رسول الله ؟ قال : (( الذي لا يأمن جاره بوائقه !)) متفق عليه (129) .وفي رواية لمسلم : (( لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه )) فياجار السوء .. إن لم تستطع أن تسعد جارك فلا تكن مصدر شقاء وتعب له .وكن صاحب ذوق ... فالذوق راحة لك ولجارك .. وتدبّر ما قاله ربك ورسوله عن الجار الذى قد يجعلك إما إلى جنة أو إلى نار . 11. شُرُفات البيوت : قد تجد من بعض الرجال والشباب من يقفون فى شرفات منازلهم بملابس داخلية متعرية أذرعتهم وصدورهم ,بشكل ليس من الرجولة فى شيء , مما يجرّح مشاعر جيرانهم من النساء والفتيات , فيضطرون لإغلاق نوافذهم ويجلسون فى ضيق وتعب لايستطيعون الاستمتاع بالهواء ولا تدخل إليهم الشمس ولا أضواء النهار . فيا رجلا بلا رجولة ويا شابا بلا حياء .. كن صاحب ذوق ولاتحرم جيرانك من حق الاستمتاع بالدنيا مثلك وحافظ على مشاعرهم وأحب لهم ما تحبه لنفسك .. فالدنيا لم تُخلق لك وحدك . . فالذوق رجولة وحياء . 12. مواقف السيارات : قد تذهب لمكان ما ثم توقف سيارتك بمكان مناسب نظامى لا تعطيل فيه للغير , ثم ترجع لتجد غيرك قد أوقف سيارته خلف سيارتك , فتظل تنتظر وتنتظر , وقد يطول الانتظار بك فتتعطل مصالحك وتتهيج أعصابك ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم . فيا مُعطلا للناس مصالحهم ... كن صاحب ذوق ... وإتق الله فى الناس , فقد يكون من وقفت بسيارتك خلفه قد يكون فى حالة تستدعى ولادة زوجته أو طفلا له مريضا يريد أن يسعفه أو ميتا يريد أن يشارك فى جنازته أو صلاة فى المسجد جماعة يريد ألا تفوته أو أرتباطا بوظيفة ومواعيد حضور يريد أن يلتزم بها . فيا صاحب هذا السلوك ... هل ترضى ذلك لنفسك .. هل تقبل من أحد أن يُضيّع عليك موعدا أو يتسبب فى مشكلة لك فى بيتك أو وظيفتك أو يحرمك من لزوم الجماعة بالمسجد أو المشاركة فى تشييع الميت . بالطبع لن ترضى ... فكن صاحب ذوق ... فالذوق عبادة . خاتمة : اللهم وَفّر حظّ المسلمين من خيرٍ تُنـزِّله أو إحسانٍ تتفضل به عليهم أو بِرٍّ تُنشِرُهُ لهم أو رزق تبسطه أو ذنب تغفره أو خطأ تستره عليهم . يا إلهي يا من بيده ناصيتنا يا عليماً بضرنا وأخلاقنا وسلوكياتنا ومسكنتنا , يا خبيراً بفقرنا وأحوالنا وسلوكياتنا وفاقتنا , نسألك بحقك وقدسك وأعظم أسمائك وصفاتك أن تجعل أوقاتنا في الليل والنهار بذكرك معمورة وبخدمتك موصولة وتعاملاتنا فيما بيننا جميلة مرضية مقبولة . يامن إليه شكونا أحوالنا وسلوكياتنا , نسألك أن تقوِّ على خدمتك جوارحنا وتهذب بفضلك أخلاقنا وتُجمّل برحمتك سلوكياتنا وتشدد بالعزيمة جوارحنا , وهب للمسلمين جميعا الجدّ في خشيتك والدوام على الاتصال في خدمتك والاسعاد التام لخلقك ولكل من تشرّف بعبادتك , حتى نخافك مخافة الموقنين واجمعنا في جوارك مع المؤمنين أصحاب الذوق والسلوكيات والخلق المتين . اللهم اقذف رجائك في قوبنا واقطع رجائنا عمن سواك حتى لا نرجو أحداً غيرك فأنت مولانا وَ وَلِيِّنا في الدنيا والآخرة ياذا الجلال والإكرام. اللهم يا عظيم نسألك باسمك العظيم أن تَكْفِنَا كل أمر عظيم وأن تٌجمّلنا بكل عظيم من الأخلاق العظيمة التى زينت بها حبيبك ونبيك وصفوة خلقك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . ________________ |
.
© جميع الحقوق محفوظة © لجمعية السبيل الاجتماعية الخيرية 2024
Design by - TARIM SOFT