إنـنـا نحيـا في ملكوت الله... كون محكم بإتقـان... كلمـا تأملنـا فيه رأينـا الكمال و الجمـال و الحكمة و العلم... وكمـا أتقن الله مـلكه و أحكم آياته في خلقه و نظـامه بقدرته و علمـه... فقد أحكم آيات كتابه وجعلهـا رمـزا إلى آياته في  مخلوقاته بقدرته و علمه  ...

وكما قال الحق أن  هذا الكتاب هو آيات   تهدينـا إليه  فقد ذكر سبحانه  أن في هذا الكون أيضـا  آيــات تبصرنا به  و تدلنا عليه ...  وكمـا أبدع الله   في آياته في هذا الكون الذي أبدع خلقه فكان اسمـا من أسمائه بديع السموات والأرض... أبدع أيضا في كتابه فجـاء بإبداع لا يقدر أن يأتي بمثله أحدا... كمـا وصف الحق كتابه بقوله " قل لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا ".

و نستعرض في هذا المقال بعضا من آيات سورة يس، و هي في القرآن من القلب كما حدثنا رسول الله... ونبدأ أولا بتناول أربعة آيات في قلب السورة (من الآية 37 إلى الآية 40 ) تتعرض لآيات الله في الليلو النهـار و الشمس و القمر، ثم نأتي إلى آيات أخرى في نهـاية السورة ( من الآية 77 إلى الآية 80 ) وهي تدحض أقوال منكري البعث بآيات الله في هذا الكون البديع...

و لنبدأ بالأربعة آيات الأولى، حيث يقول الحق.. "وآية لهـم الليـل نـسلخ منه النهـار  فٌإذا  هم  مظلمون،  والشمس تـجرى لمـستقر لهـا ذلك تقدير العـزيز العليم، والقمـر قدرنـاه منـازل حتى عاد كالعرجون القديم، لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سـابق النهـار وكل في فلك يسبحـون " صدق الله العظيم.

         نرى الآية الأولى تصف وصفا جلياً عملية تعاقب الليل والنهـار، فالأرض في أي لحظة أو توقيت، يكون نصفهـا معرض لأشعة الشمس ونورهـا، والنصف الآخـر يكون بعيداً عن أي شموس أو نجوم أخـرى، فهـو يرقد في ظـلام يشمل الكون كله كما توحي إليه هذه الآية الكريمة كحقيقة علمية رآهـا رواد الفضاء مؤخراً، و جاءت بهذا الإعجاز في الآية الكريمة حيث تشير أن الظلام هو الأصل وأن الحادث هو النهـار، ولهذا فإن النهار هو الذي ينسلخ عن الأرض فتنغمر الأرض في ظلام الكون مرة أخرى، فعندمـا تدور الأرض حول محورهـا يبتعد هذا الجزء المنير الذي شمله ضوء الشمس رويدا رويدا فيتحول نصف وجـه للأرض من النهـار إلى الليل، و لن يجد العلماء أيضـا وصفا علميا لهذا التعاقب أدق وأعمق من هذا النص الذي جـاء به القرآن لكريم وآية لهم الليل نسلخ منه النهـار فإذا هم مظلمـون .

        و تـضعنـا  هذه الآية أمام قاعدة علميه لحساب اليوم الكامل تبصرنا بحكمة الخالق وعزته،  وهو الفرق الثابت بين كل انسلاخين للنهار أو زوالين أو غروبين للشمس،  فنجد أن هذا الفرق ثابتا لا يتبدل ولا يتغير مهما تغيرت الفصول والشهور والسنوات، و أيضـاً أمام حقيقة أخرى علمناها مؤخراً، و هي أن حدوث هذا الانسلاخ لايتأتى إلا إذا كانت الأرض تدور حول نفسهـا في ثبات كامل أمام الشمس بحيث تنغمس في الظلام عند نهاية النهار، و أنهـا أيضاً تدور بسرعة ثابتة لا تتبدل ولا تتغير رغم تعاقب السنين والقرون والدهور، بحيث لا يسبق الليل النهار كما تعبر عن هذا آية تـالية " ولا الليل سـابق النهـار، وكل في فلك يسبحون "، من صنع  هذا الثبات لكل شيء في فلكه، للأرض وللشمس ولكل كوكب ونجم، إنـنـا أمام حقائق جاءت بدقة متناهية بحيث تعبر عن آية لا تقبل الشك عن علم الخالق وقدرته وعظمته ، فكيف يتأتى الحفاظ على هذا الفرق الثابت بين الانسلاخين  وعلى هذا  الفلك الثابت للأرض رغم حركتهـا المركبة حول محورهـا المائل وحول الشمس ومع الشمس  ومع سقوطهـا ضمن المجموعة الشمسية بسرعة هـائلة في الفضـاء الهائل من حولنا، إن هذه الآيات الكونية لا تتأتى إلا بتقدير إله عزيز عليم كما تنبأنــا الآية التـالية بهذه الأسماء الحسنى لله خالق هذا الإعجاز، عزيز ومنفرد في قدرته و علمه، إن هذه الدورة المحتومة للأرض حول نفسهـا وهذا التعاقب لليل والنهـار دون تقديم أو تأخير بهذا الثبات والدقة قـاد الإنـسـان إلى تعريف الزمان والوقت، حيث قسم الزمـن الذي تدور فيه الأرض حول نفسهـا إلى أربع وعشرون سـاعة، و بهذا استطاع البشر أن ينظموا أوقاتهم وحياتهم، و هل يتأتى هذا الانتظـام من تلقـاء نفسه، و إذا تدبرنـا هذه الآية ونظرنا إلى  البشر عندما  يطلقون عربة صغيرة يسمونها بالأقمار الصناعية وهي لا تزيد في وزنها عن أصغر الأحجار و تدور حول الأرض لمدة محدودة ويطلقون معها معدات كي تمدهـا بالطاقة المطلوبة لاستمرار حركتهـا والحفاظ عليهـا، ومعدات للتحكم وظبط مسارها حول الأرض وتصحيح انحرافاتها الدائمة، ثم  نجدهم  يعجزون في معظم الأحوال عن الاحتفاظ بهذا المسار لهذا الشيء التافه حجماً و وزناً  لأي مدة تزيد عن عدة شهور ... و قارنا بين هذا الجسم وهذه الأرض الهـائلة الحجم والمنبعجة الشكل والتي يصل قطرهـا إلى 12742 كيلومتراً... من الذي احتفظ لهـا بهذا المسار للأرض ولكل كوكب نراه في مجموعتنا الشمسية طوال ملايين وبلايين السنين دون انحراف أي شيء عن مساره، إنه حقاً خالق عزيز عليم...  لقد جاء  القرآن بهذه الأدلة من الله الذي يعرف السر في السموات و الأرض ويوجهنا إلى هذه الحقائق والأسرار بأدق التعبيرات أو الكلمـات، التي نـراهـا أمامنا في هذه الآيات حتى يهدينا إلى عظمته وجلاله، ونـشعر أمامهـا بعظمة قائلهـا وصانعها ونرى عجزنـا عن أن نأتي بمثلهـا صنعا و عملا و قولا  فنهتدي إليه وإلى وحدانيته.

        ثم تأتى الآية التالية من هذه الآيات بإعجاز عن حركة الشمس وكيف جعلها الله في جري دائم حتى تستقر في نهاية الأمر طبقا لأوامر خالقها  " والشمس تجرى لمستقر لهـا ذلك تقدير العزيز العليم، " ، لقد اعتقد العلماء في القرن الماضي أن الشمس هي مركز الكون وأنها ثابتة في حجمها وكتلتها ومكانها وأن كل شيء يتحرك من حولها، و اعتقدوا ببقاء المادة وعدم نفاذها، واعتقدوا أن للمـادة دورات وللزمان دورات فلا ينتهيان، ولكن تأتى هذه الآية لتبين بهذا النص المعجز منذ 14 قرنا من الزمان أن ما يجرى لكل شيء في الكون يجرى على الشمس و على المادة وعلى الزمان أيضـا،  فالشمس تجرى وتتحرك وتهوي في هذا الكون السحيق، وهي تتوهج الآن ثم سوف  تخبو وتستقر بعد حين ... فالشمس تتناقص حجما ووزنا حتى تستقر وتتلاشى بعد حين،  والشمس وهي تجرى أيضا فإنهـا تجرى معها أعضاء مجموعتها المرتبطة بها من الكواكب، فالشمس تدور حول نفسها وتديرنا حولهـا، فهي حقا تجرى وكواكبها يجرون من حولهـا إلى أن تـستـقر حركتها فيستقرون معها، وهذا ما أكده العلم الحديث في مشاهداته الفعلية، وأرضنا التي نعيش عليها ليست إلا كوكباً من كواكب المجموعة الشمسية التي تجري في ركب الشمس وتنقاد معها وفقـاً لتقدير الخالق العزيز العليم، وسوف تستقر حر

الشمس كرة من غـاز الهيدروجين تصل درجة الحرارة في بـاطنهـا إلى أكثر من 15 مليون درجـة

كة الشمس بعد هذا الزمن، و حين تأتى هذه اللحظة سيتوقف الزمـان بالنسبة لأهل وسكان المجموعة الشمسية، ولن يدور الزمـن دورته ولن تبقى المادة على حالهـا كمـا كان يدعى المـاديون والكـافرون والملحدون، فللشمس ميقات ستستـقــر  عنده  بأمر خـالقهـا وسينتهي عنده كل شيء، هذا مـا أكده الـعـلم ومـا تـأتى به هذه الآية من خالق الشمس ... آية تنص على أن هذه الشمس سوف تستقر بعد هذا الجري الدءوب، و قد أثبت العلماء أن الشمس كرة من غـاز الهيدروجين وتصل درجة الحرارة في بـاطنهـا إلى أكثر من 15 مليون درجـة ويحدث بهـا أعقد التفاعلات النووية الاندماجية التي سوف تحولها في النهاية من كرة متوهجة إلى كرة مستقرة... حيث تساعد درجة حرارة باطن الشمس المرتفعة في اندماج ذرتين من ذرات غاز الهيدروجين الذي يشكل كتلة الشمس، فتتحولان إلى ذرة واحدة من غاز آخر.. ذرة تقل كتلتهـا عن كتلة ذرتى الهيروجين، حيث يتحول الفرق في الكتلة إلى طاقة تبعثهـا الشمس إلينـا...  وقد حاول الإنسان أن يحاكي هذا التفاعل الاندماجى الذي يحدث في الشمس، و لكنه عجز عن التحكم في هذا التفاعل في مفاعلاته النووية، وأدت أبحاثه في هذا المجـال إلى اكتشافه للقنابل الهيدروجينية التي تنتج كما هائلاً من الطاقة ينشأ عنهـا انفجارات مدمرة، وهكذا لم يتمكن البشر إلا في استخدامها للتدمير وليس لعمارة هذا الكون كما يحدث في شمسنا بأمر الله... وكي ترسل  الشمس كل هذه الحرارة  فإنهـا تحرق في  كل ثانية 600 مليون طن من مكوناتهـا من الوقود الهيدروجينى، تحترق في ثبات دون توقف على مدى الثواني والأيام و القرون و الدهور، و ينطلق من الشمس مع هذا التحول في كل ثانية كما من الطاقة  يكفى ما تحتاجه الأرض لمدة مليون سنة كاملة، ولكن هذا الكم  يتوزع على الكون بأكمله ويكون نصيب الأرض من هذا الكم قدر محدد لها  يكفيهـا دون زيادة أو نقصـان لا يمثل سوى 1 على 10 أمامهـا عشرة أصفار على الأقل.... وهكذا فإن الشمس تتغير وتبدأ من غاز الهيدوجين الذي يجرى له أو به هذا الكم الهائل من التفاعلات والاندماجات، ثم ينتهي إلى كرة من غاز ساكن أو خامل هو الهليوم، ولا يبقى لها في النهاية وقود يقاوم قوة جذب كتلة هذا الغاز الخامل، فيتقلص نجم الشمس بتأثير وزنه، و تصـير الشمس في النهاية قزماً ساكناً أبيض أو ثقباً أسود في هذا الكون كما حدث في ملايين النجوم الأخرى التي كانت مثل شمسنا و جرى لهـا مـا سيجرى  لشمسنـا بعد فترة قدرها العلماء بحوالى 500 بليون سنة كي تتحول إلى هذا القزم السـاكن، و هذا بعد أن وصل عمرهـا الآن 450 بليون عامـاً، والآن ما الذي يحتفظ للشمس بهذا الجري والتفاعل بهذا الثبات الممتد عبر بلايين السنين التي والتي تكونت خلالها الأرض  ثم نشأت الحياة عليهـا، إن الشمس لو بردت درجتهـا بأقل من مليون درجة مثلا، فسيؤدى هذا إلى انخفاض معدلات الاحتراق بها إلى النصف، وهذا ما يؤكده العلم الحديث، وبهذا تقل الطاقة التي تصل إلى الأرض فتتجمد الأرض، و لو زادت أيضـاً لتضاعفت معدلات الاحتراق وتزيد معها الطاقة التي تصل إلى الأرض فــتـحترق أيضا الأرض، ثم إذا نظرنـا إلى الشمس وهي تحترق وتقل كتلتهـا بملايين الأطنان في كل ثـانية ، فلنـا أن نتعجب : هل هذا النقص الدائم في كتلة الشمس له الأثر على أفلاك الكواكب من حولهـا، النظريات العلمية تؤكد أن هذه الأفلاك تتأثر فتبتعد الأرض عن الشمس، ولكن لو حدث هذا فستـتجمد الحياة على الأرض، وهذا لم يحدث خلال الملايين من السنين التي هي عمر الأرض، لقد حار العلماء في فهم أسرار هذه الشمس بحيث تظل بهذا الثبات لهـا ولمن حولهـا، و جاء هذا النص من الخالق أنه هو الذي قضى عليهـا بهذا الثبات فأودع هذا التعبير  في كتابه بأرفع المعاني والكلمات  "و الشمس تجرى لمستقر لهـا، ذلك تقدير العزيز العليم "، حقـا إنه عزيز في قدرته و تقديره، عليم يحيط بعلمه كل شيء،  و العلم لا يستطيع أن يصل إلى  سر جرى الشمس  بهذا الثبات في تفاعلاتها و فيمن تجريهم حولها ، و يأتي كتاب الله ليعلن أن هذا جاء بتقدير إله قدير عزيز عليم " ذلك  تقدير العزيز العليم" ، فهو من صنعه وحده وتقديره وحده وبعلمه وحده، وهذه الكلمات جاءت منه وحده .

و قبل أن ندخل إلى القمر تعالوا أولا نعقد مقارنة بينه وبين الشمس، فالقمر كوكب صغير سخره الله للأرض، وإذا أردنا أن نتخيل المسافات والأبعاد الخاصة بالشمس والقمر بالنسبة للأرض، فيمكن إذا تخيلنـا أن الشمس كرة قطرهـا متراً واحداً، فإن الأرض تكون كرة صغيرة أو بلغتنـا العامية بلية صغيرة يقل قطرهـا عن 1سم، و تدور هذه الكرة حول الشمس في دائرة نصف قطرهـا 120 مترا دورة كاملة كل 365.25 يومـا (السنة الشمسية )، أما القمر فإنه بالنسبة لهذه الأبعاد يكون بلية (قطعة حجر صغيرة) أصغر جداً لا يزيد قطرهـا عن 4مم و تدور حول الأرض في دائرة نصف قطرهـا 30 سم فقط دورة كاملة كل 27.3 يوما ( محددة شهراً قمرياً )، هذه الأبعاد تقربنا فقط من تصور النسب بين هذه الأجسام، لكن قطر الأرض مثلا 12800 كم وقطر الشمس حوالي 1.400.000 كم و قطر القمر 34676 كيلومتر، فلا يزيد قطر الأرض عن ضعفي قطر القمر كما لا تزيد كتلة الأرض عن 80 ضعف فقط كتلة القمر، و بينما نجد الأرض قزم صغير يدور حول الشمس بكل الالتزام، فإن القمر يبدو كأنه لا يدور حول الأرض و لكن كأنهمـا يدوران حول بعضهمـا أو كما لو كانا كما تذكر المراجع الأجنبية يرقصان حول بعضهمـا حيث يدور كل منهما حول الآخر و يدوران معا حول الشمس، وحيث وجدوا أن القمر يواجه الأرض دائما ويلازمها بوجه ثابت، وهي من قواعد الرقص عند الغرب، كما لو كان منتظراً لتلبية حاجاتهـا، ويبدوان أيضا لمن يراهما من بعيد كما لو أن القمر يتمايل حول الأرض في حركته المحدودة حولهـا كما تتمايل الأغصان في حركتهـا حول الأشجار.  كما يدور القمر في مستوى يميل مع مستوى خط الاستواء في الأرض بزاوية قدرهـا 23.5 درجة، و هي نفس الزاوية التي يميل بهـا محور دوران الأرض حول نفسهـا مع مستوى دورانهـا حول الشمس، و يأتي من هذا التطابق في الزاويتين تطابق مستويي أفلاك الأرض وأفلاك القمر، و لهذا فإن مساحة الجزء المعرض من القمر لضوء الشمس، و الذي يعكس ضوء الشمس و ينير الأرض في المساء ويحدد شكل القمر من الهلال إلى البدر والعكس، يعتمد فقط على ما تحجبه الأرض عن الوصول إليه من ضوء الشمس، ولتطابق الزوايا فإن كل سكان الأرض تراه بنفس الشكل، ولو اختلفت هاتين الزاويتين عن بعضهما ولو بأقل الكسور من الدرجة لمـا حدث هذا التطابق في أشكال القمر بالنسبة لكل سكان الأرض، و لرأى أهل الشمال القمر بدراً بينما يرى أهل الجنوب القمر هلالا، وسنظل أياماً نرى القمر كاملا، و أياما لا نراه، و الشهر القمري يبلغ 29.5 يوما وهو يزيد عن مدة دورة القمر حول الأرض بأكثر من يومين حيث تشارك الأرض في الحركة حول القمر أثنـاء تحركه حولهـا، إنه انضباط في الزوايا والتحركات يتوه في حساباته فقط أعظم العلمـاء، فمـا بالك بالتحكم فيه وتدبير أمر مساري هذين الكوكبين التي لا تقل أقطـارهما عن بضعة آلاف من الكيلومترات، مسارات معقدة و منضبطة..  ينشأ عنهـا هذا الانضباط في الشهور القمرية و أشكال القمر المتتابعة، التي لا تتبدل و لا تتغير، ويتم معهـا انضباط مواقيت و حركة الأحياء عليهـا. 

هكذا ينبهنـا الخالق إلى تدبر هذه الحقائق بما يذكرنا بهـا في كتابه، فيشير القرآن بعبارات بسيطة أن كل ما ذكرناه عن حركة القمر حول الأرض وملازمته للأرض في حركتهـا حول الشمس، وسرعة القمر حول الأرض وسرعة الأرض حول الشمس، وأفلاك القمر وأفلاك الأرض وأفلاك الأرض والقمر معاً والمستويات والزوايا  والأبعـاد والمسافات والسنة الشمسية والشهر القمري ثم السنة القمرية التي تختلف عن السنة الشمسية بمدة 11 يوما لا تزيد أو تنقص، وأن يكون للقمر هذه الأشكال المتدرجة صعوداً وهبوطـا واتساعاً وضيقـاً، فنراه هلال ثم بدرا ثم هلالا في مواقيت محددة وبحركات دقيقة وتم حسابهـا بأدق الحسابات و التحكم فيهـا بأعظم القدرات .. يشير إلى أن كل هذا لم يأتي بالصدفة أو بالطبيعة.. فأي طبيعة هذه التي تحدد السرعات و الأبعاد والمسافات و الأقطـار و الأحجـام والزوايا والحركات والسرعات وتحافظ عليهـا بهذه الدقة المتناهية طوال هذه القرون والدهور.. نعم لا يتركنا خالق الأرض والسماء نتخبط ونحتـار... و لكن يأتي بآيات القرآن معلنـاً بإعجاز أنه هو الله الذي هيأ الأبعـاد

 الشكل التالي يبين كيفية دوران القمر حول الأرض ومنازله وتكون البدر حتى العرجون القديم

 والمسافات والزوايا وقدر للقمر وسخر له هذه الأفلاك والمسارات... فيقول الحق والقمر قدرناه منازل...  أي أن كل هذا قد جـاء بتقدير إله قدير قدر لهذا القمر هذه التحركات احتوتهـا كلمة قدرناه. .. و نأتي إلى كلمة منازل..  فهذه الكلمة إشارة إلى أفلاك القمر ومنازله التي أنزلهـا الله فيهـا له كي يكون لنـا من أشكاله ما نراه عندمـا يعكس لنـا ضوء الشمس من مواقع مختلفة أمامـهـا... وقد تكون هذه الكلمة تصحيحـا للتعبير الذي شبه به بعض العلمـاء حركة القمر و قالوا أنه يراقص الأرض، فهو لا يراقصهـا ولكن التعبير الأشمل والأجمل أنه ينازلهـا.. فمن قواعد المنازله أن يواجههـا أيضاً بوجه ثابت ولكنه يجب أن يبتعد عنهـا بعداً كافيا يتيح له تسديد وصد ضوء الشمس إلى الأرض كلما حانت له انفراجة في مسار الأرض عن الشمس.. و لكن الرقص الذي أطلقه بعض العلمـاء الغرب يعنى انضمامهمـا، وهو تشبيه يجافى الحقيقة...  أما المنازلة فلا تسمح بهذا، وتنطبق حقاً على من يرى حركة القمر الملزمة للأرض في دورانه معهـا حول الشمس وفي نفس الوقت يدور حولهـا ويقترب و يبتعد أثنـاء هذا الدوران وبوجه ثابت كما لو أنه ينازلهـا دون أن يحيد عنهـا..... ثم نأتي إلى تشبيه حركة القمر وهو يتحرك من يمين الأرض إلى يسارهـا ومن يسارهـا إلى يمينهـا في حركة محدودة بالنسبة لحركتهما حول الشمس، و بسرعة بطيئة بالنسبة لسرعة دورانهمـا معاً حول الشمس... وكما ذكرنا أنه يبدو لمن يراه كما لو أن القمر يتمايل حول الأرض وهو يدور معـها ويدور حولهـا أو ينازلهـا... وتأتى الآية فتطلق هذا التشبيه... عاد كالعرجون القديم...  و يطلق العرب اسم العرجون على فرع شجرة التمـر... وعند تقادمه على شجرته بسبب الجفاف من تسلط أشعة الشمس عليه زمنا طويلا نجده يتمايل مع الرياح أينمـا توجهه لأنه يصير غير قادر على الثبات أمامهـا بعد قدمه... إن هذا التشبيه يقرب من رؤيتنـا حركة القمر وهو يتحرك أو يقفز في سهولة ويسر على جانبي الأرض كقفزات وحركات بمثل تقلبات العرجون على جانبي شجرته، و ينشأ من هذا التمايل المقدر والاستمرار  الاعتياد عليه أشكال القمر المختلفة.... منازل إشارات إلى حكمته وقدرته وأن كل ما وجدنـاه ورأيناه وعلمنـاه جـاء بتقديره

 الشكل التالي يبين منازله القمر حول الأرض

 سبحـانه وقوله الحق والقمر قدرنـاه... منازل ... حتى عـاد... كالعرجون القديم...  فنرى أن كلمة "قدرنـاه" قد جاءت بكل السمو كي تبدد حيرتنـا... لأن الخالق هو الذي قدر للقمر هذه الزوايا والسرعات والأبعـاد والمسافات والمستويات، فصـار إلى ما صار إليه من ملازمته للأرض أو منازلتهـا والقفز على جانبيهـا حتى اعتـاد هذه المنازل كما اعتاد العرجون في التحرك والتطوح على جانبي الشجرة كلما تعرض للقدم والجفاف... أي إعجـاز هذا في الخلق و القول... إنه إعلان حي من الخالق، أنه هو الذي دبر و" قدر للقمر منازله " بتقدير العزيز العليم...  في دورات مستقرة وثابتة ينشأ عنهـا هذه الأشكال المتكررة للقمر من هلال إلى بدر إلى هلال تنبئ عنهـا كما ذكرنا كلمة " عاد "... فهي تفيد العودة والتكرار كما تفيد الاعتياد والاستمرار والاستقرار..... أية دقة علمية هذه في سردهـا لحقائق علمية متكاملة بأبسط العبارات وأدق التشبيهات التي تعيد كل شيء في هذا الكون لتقدير الخالق منزل القرآن على عبده بالعلم والحكمة وبما يظهر الحق و يبدد الحيرة في هذه الحركة المعقدة للقمر مع الأرض و الشمس بما قدره من قول و فعل.

        ثم تأتى الآية الرابعة لتؤكد أيضاً بإعجاز شامل أن حركة كل شيء في هذا الكون  تتم فعلا بانضباط كامل ومقدر بقول الحق ( لا الشمس ينبغي لهـا أن تدرك القمـر ولا الليل سابق النهار، و كل في فلك يسبحون )، هكذا جاء قول الحق عن هذا الثبات لكل شيء من حولنا في أفلاكه، فللشمس أفلاكها الثابتة وللقمر أفلاكه الثابتة  و بالرغم من أن الأرض من توابع الشمس تدور حولهـا وحجم الشمس أو وزنهـا يزيد آلاف المرات عن حجم الأرض و وزنهـا، لكن لا تطغى الشمس على القمر هذا التابع الضئيل للأرض الصغيرة والتابعة لهـا، فلا تحوله إليها أو تدركه بقوتها وحجمها ووزنهـا وجذبهـا الجبار الذي يتضاءل أمامه جذب الأرض، ليس هناك سببا ألا يحدث هذا إلا أن يكون هناك التزاماً من  الشمس والقمـر بالسير والسباحة أو التسبيح المحدد بالكلمات أو بالحركـات في أفلاك ثـابتة لا حيود عنهـا.

        والأرض لهـا تعاقبهـا ودورانها حول نفسـهـا، ولا يختل هذا الدوران مهمـا تعاقبت السنين والقرون، فزمن الدورة أربع و عشرون سـاعة و لا يأتي ليلين أو نهـارين متعاقبين، بل ليل يعقبه نهـار، و يكونان معاً اليوم من أربع و عشرون سـاعة في ثبات تام يعجز عن تخيل أسبابه العقل البشرى،     وكذلك الأرض ويصاحبهـا قمرهـا تدور دورة كاملة كل سـنة أو كل 365 يومـاً وربع اليوم حول الشمس، لا يتبدل أو يتغير زمن هذه الدورة على مدى القرون والدهور،  وكذلك الشمس و معها منظومـتها الشمسية كلهـا بمـا فيهـا الأرض و الكواكب الأخرى تدور حول مركز المجرة مرة كل 200 مليون سنة، و مجرتنا البالغ عدد النجوم فيهـا أكثر من خمسة بلايين نجم و تمثل المجموعة الشمسية إحدى أفرادهـا لهـا أيضـا دورتهـا حول نفسهـا و حول مركز الكون الذي لا يعرف سـره سوى الخـالق... و الآن  ... مـن يحفظ هذا الثبات والاستقرار في دورات الشمس و القمر ودورات الليل و النهـار وكل الدورات الأخرى، لقد قربنا العلم لأن نرى مسارات الشمس والأرض والقمر، ولكن هذه الرؤيا زادتنا إحساسا بالجهل عن أسرار ما رأيناه أو علمنـاه... وزدنا يقينا أنه لا تعليل لهذا إلا أن كل هذه السباحة لكل كوكب أو نجم ما هي إلا نوعـاً من أنواع التـســابيح يسبح بهـا هذا الكون لخـالقه كمـا جـاءت الآية الكريمة (و إن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) ... إنــه تسبيح دائم و مستمـر لكل مـا في هذا الكون... و(  كل قد علم صـلاته و تسبيحه ) ...و( إن من شيء إلا يسبح بحمده، و لكن لا تفقهون تسبيحهم ).

        هكذا جاءت كلمات الله معبرة بكل إعجاز عما يعجز الإنسان عن فهم أسبابه في هذا الكون، فتتبدد حيرته عندما يكون القائل هو خالق هذا الإعجاز الذي أرسل إليه هذا الكتاب رحمة من عنده لهدايتنـا و الخروج بنـا  من الحيرة و الضلال ، و إذا أمعنـا التدبر في كلمة يسبحون بالباء المفتوحة و يسبحون بالبـاء المشددة و المكسورة ، فسنجد أن القرآن قد جـاء بهذه الكلمة الجـامعة لمـا تؤديـه الكواكب و النجوم و الشمس و القمر من سباحة منتظمة في أفلاك ثـابتة  و أن هذا  ليس إلا تسبيح أو طـاعة ملزمة لكل الكواكب و النجوم  لخـالقهـا ومسيرهـا.

        و السؤال الآن: هل نستطيع كبشر بعد أن علمنا عن الأرض و القمر و الشمس و الليل و النهـار و الأفلاك و المسارات أن نعبر عن معجزات هذه الأشياء و دلالاتها في بضعة سطـور يفهمها العالم المتعمق بقدر علمه والإنسان البسيط بقدر نقائه، و هذا على مر العصور دون توقف، و بهذا الإعجاز التام دون أن يأتيهـا الباطل في أي من هذه الأزمـان،  لقد عرضت هذه الآيات الحركات و الأفلاك التي تتحرك فيها الأرض و الشمس و القمر و أعطت التشبيهـات التي لا يستطيع أن يأتي بمثلهـا سوى خالقهـا و محددهـا و محدد أبعـادهـا و حركاتهـا... إنهـا جميعـا تدور بإعجـاز إلـه عـزيز عليم تسبيحا له و طاعة و التزاما و انصياعا لأوامره، فلـه وحده النهـار و الليل و الحركات و السكنات و الأقدار و المصائر، إنهـا آيـات إلــه يـرى الكون الذي خلقه كله بإمداده و جمـاله و إعجـازه وإبداعه، ثم يـركز أبصـارنـا على ما يمكن أن نراه من هذه الآيات التي تدل كلهـا على جلاله و عظمية ... آيات يراهـا الناس في كل العصور و لا يستطيعون إنكار صانعهـأ مهمـا بلغ علمهم و رؤاهم، و لهذا تبدأ الآية بـقول الحق  و آيــة لهـم  ... إنهـا فقط إحدى الآيـات التي يبصـرنـا بهـا لخالق في الكون الذي خلقه و سيره بقدرته و تقديره.. و لكن في الكون آيـات و آيــات يجب أن نتدبرها حتى نستحق مـا أنعم الله به علينـا من نعمـة العقل والعلم.. ويكفى هذه الإشــارة من الخـالق التي جـاءت بهذه السمو وهذا الإعجـاز...

و الآن نتوقف ثانية أمام آيات أخرى جاءت قرب نهـاية هذه السورة الكريمة بقول الحق:( أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين، و ضرب لنا مثلا و نسى خلقه، قال من يحيى العظام و هي رميم، قل يحييها الذي أنشأها أول مرة و هو بكل خلق عليم ، الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون، أوليس الذي خلق السموات و الأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ، بلى و هو الخلاق العليم )

هناك من يجرأ و يدعى أنه ليس هناك بعث بحجج مختلفة، و في هذه الآيات يناقش الحق بالحجة و المنطق هؤلاء المتنطعون، فيأتي باستفسـارات منطقية و يسأل هؤلاء المنكرون أسئلة منطقية و يستشهد الخالق في إثارة تفكيرهم من واقع ما يبصرونه في مختلف الأزمنة... و يأتي السؤال الأول... هل من لديه القدرة على خلق الأجسـام لا تكون لديه أيضا القدرة إعادة هذه الأجسام مرة أخرى بعد أن تتحول إلى رميم و تراب...  سؤال منطقي و رباني... و لا شك أن هؤلاء المتنطعون كما كانوا في عصر الرسول صلى الله عليه و سلم، نراهم أيضـا في عصرنا هذا ينكرون البعث باسم العلمانية و العلم...  و لكننا كمسلمون نرى أن التقدم البشرى و العلمي يجعل الرؤية التي طالبنا بهـا الخالق في بدأ هذه الآيات تكون أقوى و أوضح و أظهر، فالخـالق يذكرنـا بعد هذا الاستفسـار أن بدأ خلقنـا كان من نطفة.... و قد أثبت العلم الحديث أن بداية تكوين الجنين في بطن الأم تكون بتخصيب بويضة الأم، و تمثل هذه البويضة نصف خلية من خلايا جسمها وتحمل جميع صفاتها الوراثية، ويتم تخصيب هذه البويضة بالحيوان المنوي للأب، وهذا الحيوان يمثل أيضاً نصف خلية من خلايا جسم الأب، ويحمل أيضا كل الصفات الوراثية للأب... ومن هذا التخصيب تأتى النطفة أو أول خلية كاملة تحمل صفات وراثية مشتركة من الأب والأم لمخلوق جديد... هذا ما نراه الآن في معاملنا بالمجهر وبالصورة و تعرضه أفلام علمية و طبية و ثقافية... والآن لا ندرى بالرغم من ادعائنا العلم و الفهم..  من علم هذه النطفة ورتب لها هذا التحول من نطفة أو خلية واحدة إلى إنسان كامل عبر أطوار وأطوار داخل رحم الأم، لا تدرى الأم منها شيئا وليس لها أي تدخل أو تداخل فيهـا، كيف استطاعت هذه الخلية الواحدة أن تتكاثر إلى بلايين من الخلايا المتطابقة للخلية الأولى صفاتا ونوعا و شكلاً في منظومات هائلة مكونة الأنسجة والأجهزة والأعضاء، كيف استطاعت أن تستمد غذائها وهوائها وهي داخل ظلمات ثلاث، من صمم لها هذه الأطوار كي يكون لها خياشيم في أحدى الأطوار كي تحصل على الأكسيجين من داخل السائل الذي تسبح فيه في داخل الرحم، و كيف جاء لها هذا التكوين الفريد في الحبل السري الذي يمد جسم هذه النطفة بكل ما تحتاجه من غذاء في كل لحظة ومن مرحلة إلى مرحلة أخرى، من الذي أودع الأسرار في مجموعة من الخلايا أن تتحول إلى عظام ومجموعة أخرى أن تتحول إلى عضلات، ومجموعة أخرى أن تتحول إلى دماء أو جلد أو أغشية أو شعر... وكل له وظيفة محددة وأعمال مرتبة وأهداف ثابتة تختلف شكلا وموضوعاً عن الخلايا الأخرى وإن اتحدت في كروموزماتهـا وجيناتهـا التي تميز كل إنسان عن أخيه وعن سائر المخلوقات... من رتب لها هذا التكوين وعلمها هذه الوظائف وقرر لها هذه الأعمال و بين لهـا هذه الأهداف...  من الذي جعل القاعدة العامة هي الانتظام في هذا الترتيب وجعل هناك القليل الذي يشذ حتى نرى قدرة الله في خلقه وأن العملية ليست عملية

 صورة للجنين البشري في أشهره الأولى

ميكانيكية ولكن كل شيء بقدر معلوم، فنرى التصاق قلبين أو جسمين أو رأسين، و نرى ما لا يكتمل نموه ونرى من يولد بعد 7 أشهر ومن يولد بعد 9 أشهر و نرى من يموت في رحم الأم ومن يكتب له الحياة الممتدة، ونرى قدرة الله وحكمته في أن يجعل هذه النطفة ذكرا أو أنثى في إحدى هذه الأطوار ثم نرى الاتزان بين عدد الذكور والنساء في الجنس البشرى خاصة، ونرى حكمة الله وقدرته في أن يهبة نعمة السمع والبصر والعقل خلال هذه الأطوار كي يتحول هذا المخلوق الحيواني، الذي وهبه الله الحياة منذ أن كان نطفة لينمو داخل رحم الأم كأي حيوان ثديي، إلى إنسان عاقل يدرك ويعي ما يراه بعينيه أو يسمعه بأذنيه، بميز الأصوات و الألوان و الحروف و الكلمات و الصور و الظلالات، ثم يميز بين الخير و الشر وبين النور والظلام، بفطرة فطر الله عليها هذه النطفة منذ أن بدأها و وهب لهـا الحياة و الاستمرار.

        نعم... لقد رأينا في معاملنا هذه الخلية الأولى أو النطفة التي أودعها الله في رحم الأم ثم نمت بقدرة الله التي وهبتها الحياة وبحكمته التي أودعها الله في هذه النطفة حتى تخوض في هذه الأطوار وبإرادته التي تجعل هذا ذكراً أو أنثى أو لا شيء على الإطلاق أو أن تصير هذا الإنسان الكامل العاقل القادر ... و بالرغم من هذا فيأتي هذا الإنسان بعد أن زاد شعوره بالجهل في عصر العلم متبجحـاً أن أصله جاء نبتاً من هذه الخلية الواحدة عندما أراد لها خالقها الحياة والنمو وكتب لهـا هذه الأطوار... جاء يقول من هو القادر على أن يعيد عظمه أتى بهـا إلى رسول الله لتصير بشراً مرة أخرى...  أنه بهذا التصرف الأبله وهذا القول الساذج  يصير خصماً لله سبحانه و تعالى الذي أخذ على نفسه هذا العهد و قرره في آيات القرآن الكريم بلسان عربي مبين ... كم تحوي هذه العظمة من الخلايا... إنهـا بلايين الخلايا وقد جاء خلق الإنسان من نطفة أو من خلية واحدة فقط من هذه الخلايا... إن العلم الحديث يقرر أنه يمكن من خلية واحدة استنساخ حيوان هو صورة طبق الأصل من الحيوان الأصلي.. فكيف بخالق الإنسان نفسه... أو ننكر له هذه القدرة... و من هنا جاء هذا الرد الرباني العجز على هذا الاستفسار الإنساني الجاحد و الجاهل بقدرات الله عز و جل: (أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين، و ضرب لنا مثلا و نسى خلقه، قال من يحيى العظام و هي رميم، قل يحييها الذي أنشأها أول مرة و هو بكل خلق عليم ).

ثم يأتي البيان الثاني...الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون... كيف ننكر قدرة الخالق الذي دبر شئون هذا الكون و دبر عمارته على أن يحيي العظام و هي رميم...  أشار الله في هذه الآية إلى قدرته التي عمر بها هذا الكون وأعطى بها الإنسان والحيوان القدرة على الحركة والانطلاق... إن من ينظر إلى هذا الكون وقدرة الإنسان على السعي فيه وعمارته، يجد أنهـا جاءت من هذا الشجر الأخضـر، فالشمس تطلق طاقتهـا.. ولكن هل يستطيع الإنسان أن يمتص هذه الطاقة كي يتحرك بهـا... إن أعضـاء المملكة الحيوانية كلهـا ومنهـا الإنسان لا يستطيعون الاستمرار والحركة بدون مصدر للطاقة.. كمـا أن السيارات والمحركات لا تستطيع أيضـاً أن تتحرك بدون مصدر للطـاقة... ومن أين تتأتى لهم هذه الطاقة التي سيتحرك بهـا الإنسان و من ثم تتحرك بهـا دوابه و أنعـامه ثم تحركان عرباته وآلاته ... هل سأل أحدنا نفسه مرة كيف تأتـيه هذه الطاقة ومن أين تأتيه... الجواب في هذه الكلمات المحددة في الآية التي بين أيدينـا... إن هذه الطاقة تأتى من الشمس التي جـاء ذكرهـا في منتصف هذه السورة.. ثم من الذي يعد ويجهز لنا هذه الطاقة كي نستفيد منهـا ولتبعث الدفء والطـاقة في أجسادنا عند احترقهـا ناراً، و هي التي تدفع الطاقة أيضاً في أجساد دوابنـا عند احتراقهـا ناراً، و هي التي تطهي لنـا الطعام عند احتراقهـا ناراً، وهي التي تدفع عرباتنا عندما تتحول في باطن الأرض إلى بترول وغـاز طبيعي ثم تحترق في عرباتنا ناراً... إنهـا هذا الشجر الأخضر... إن هذه المقابلة في الآية الكريمة التي صاغهـا الحق بين النار والشجر الأخضر مقابلة معجزة، تستوعب كل دروسنا في الطاقة ...  حيث يقوم الشجر من خلال اخضراره واخضرار أوراقه بدوره ومهـامه في تخزين وإعداد هذه الطاقة في طعام ذو مذاق جميل وفي نفس الوقت في الصورة التي يمكن امتصاصهـا داخل جسم الإنسان أو الحيوان... إن من يتعمق في الكيفية التي يمتص بهـا هذا الشجر الأخضر من خلال أوراقه الخضراء طاقة الشمس، لا يسعه إلا أن يسجد للخالق الذي قدر هذا الصنع و أبلغ عنه بأعظم الكلمـات و أدق العبارات، في مقابلة معجزة و متكاملة...  لقد حاول العلمـاء محاكاة ما يحدث في هذا الورق الأخضر.. فوجدوا أنه يتم في هذه الورقة أكثر من ثلاثة آلف تفاعل كهرو فوتو كيميائي كي يمتص أشعة الشمس الفوتونية ويخزنهـا كطاقة كيميائية في المواد الكربوهيدراتية في عملية حيوية تسمى بعملية التمثيل الكلوروفيللى أو الأخضر نسبة لاعتمادها على ورقة الشجرة الخضـراء.. و لو حاول هؤلاء العلمـاء تنفيذ هذا التفاعل في معامل يعدونهـا، فإنهم يحتاجون إلى معمل يعادل حجمه عشرة أضعاف حجم عمارة المجمع كي يؤدى

سبحان الذي خلق من الشجر الأخضر ناراً

فيه هذه التفاعلات و يصنع ويخزن الطاقة التي تخزنهـا ورقة نبات خضراء في اليوم الواحد، و لكنه سوف يستهلك في تخزين هذه الطاقة طاقة أخرى تعادل طاقة طلمبات منخفض توشكا بأكملهـا... و تأتى كلمة "جعل لكم" لتبلغ حقيقة أخرى، فلن تكون للنبات الأخضر هذه القدرة بذاته... حيث أنه بدون أشعة الشمس التي يمتصهـا وبدون الهواء الذي يستخلص منه غـاز ثاني أكسيد الكربون، وبدون الظروف الجوية المواتية من ضغط ودرجة حرارة ودرجة رطوبة لن يستطيع النبات أن يقدم لنـا هذه الطاقة التي باحتراقها ناراً تسير عجلة الأحياء والحياة على وجه الأرض... و لهذا جاءت كلمة جعل.. ولم تأتى كلمة خلق.. إن من يتابع كيف تنطلق نار هذه الشجر الأخضر في أجسامنا، فسيرى أن الله أعد في خلايا الجسم القدرة على استعادة هذه الطاقة بثلاثة آلاف تفاعل في عكس تفاعلات الشجر الأخضـر... من علم هذه الورقة القيام بهذه التفاعلات.. ومن علم خلايا الإنسان والحيوان هذه التفاعلات... الرد هو أن ما علمناه وما نعلمه يزيدنا يقينـا أننا أكثر جهلا بكل شيء وأن هناك خالقـاً هو الذي جعل هذا... فعلومنا تقربناً من معرفة قدرة الله، و تقدم لنـا الدليل المؤكد لقدرته وعزته.. و أنه سخر لنـا كل هذا الكون بعلمه و قدرته... ثم يتطاول الخلق ويسألون.. من يعيد هذه العظام وهي رميم.. هل من أعد هذه التفاعلات وسير هذه العمليات كي نحيا ونستمتع بطاقتنا غير قادر على أن يعيد هذا الخلق.. وهذا المنطق الثاني كي يبطل الله حجج المنكرين الذين لا يفكرون و يتدبرون.

ثم نأتى إلى الدليل الثالث  .. و فيه يذكر الحق بكل الدقة و القوة دليلا  لا يمكن إنكـاره ... أو ليس الذي خلق السموات و الأرض بقـادر على أن يخلق مثلهم ... فإذا عقدنا مقارنة بين خلق السموات و الأرض و خلق الإنسان فهي محسومة حقا لخالق السموات و الأرض.. و لن نعيد تأملات قول الحق في سورة النازعات، ففيهـا مقارنة كافية لدحض حجج الكافرين... و لكن هناك وقفة أمام كلمة واحدة في هذه الآية، وهى كلمة " مثلهم "... فإذا كان الخالق جاء بخلق السموات والأرض وخلقهم من لا شيء.. ألا يكون قادراً على أن يأتي بخلق مثلهم... أي ألا يكون قادراً على استنساخهم بلغة العصـر... هل يمكن لخالق الإنسان من نطفة ثم الذي جعل له من الشجر الأخضر ناراً ألا يقدر على أن يفعل ما مكن البشر من فعله ليكون عليهم دليلاً.. ألا يستطيع خالق السموات والأرض على أن يستنسخ مثلهم من خلية يبقيهـا من عظامهم هذه بعد أن تصير رميم... يستنسخهـا كما مكن البشر أن يستنسخوا مثل النعجة التي أخذوا منهـا خلية من جلدهـا... ألا يقدر خالق الأصل أن يخلق الصورة... أي مثلهم.. سؤال لا مرد له إلا أن هؤلاء المنكرون متنطعون ومفضوحون... و لكن هذا الاستنساخ الذي مكنهم الله منه وإن كان في ظاهره العلم، إلا أن باطنه يكشف قدرة الخالق... فكل ما فعلوه عند الاستنساخ أنهم أخذوا خلية كاملة من جسم ذكر أو أنثى في أي حيوان ووضعوهـا في بويضة أنثى داخل رحم أنثى هذا الحيوان.. وهو موضع النطفة الأولى لأي جنين يتكون بالصورة الطبيعية من نصف خلية من الذكر ونصف خلية من الأنثى، فيتم الانتخاب الطبيعي للصفات التي تورث في الجنين الطبيعي، فرأوا أن بويضة الأنثى التي وضعوا فيهـا هذه الخلية، معدة لتلقين الخلية الموضوعة أو المستنسخ صاحبهـا طرق الانقسام داخل الرحم لتكوين الأنسجة و العضلات والأجهزة والصفات التي تحملهـا هذه الخلية، و أيقنوا أن خلق هذا المثل ممكنـا بما أودعه الله في بويضة أنثى كل حيوان من أسرار، كالأسرار التي وضعهـا فيهـا كي تخرج من النطفة الأولى أو الخلية الأولى من هذا المخلوق، و كالأسرار التي أودعهـا في الشجر الأخضر كي تنتج ناراً كما بين الله في الآيات السابقة... هكذا يأتي قول الحق ويأتي بالرد القاطع له... بلى  ..(أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم.. بلى ... وهو الخلاق العليم... إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون)... صدق الله العظيم... أيوجد منطق أعظم وأبدع وأعلم وأقوى وأمتع من هذا المنطق القرآني كي تقنع به من لا يؤمن بالبعث و قدرة الخالق على أنه سيعيد نشأتنـا من هذه العظام أعظم... إنه سرد لثلاث حقائق نراهـا بأعيننا و أبصارنا و منطقنـا الإنساني.. لهذا كان أول هذه الآيات (أو لم ير الإنسان... ثم كان في أوسطهـا..  أوليس الذي خلق السموات و الأرض بقادر على أن يخلق مثلهم)... هل يمكن ألا يكون ردنا على هذه الآية الكريمة كما قال سبحانه وتعالى..  نعم. هو الخلاق العليم.. نعم .. بلى و ربنـا الحق.. لقد رأينـا و آمنا أن الله قادر على أن يخلق مثلنـا و ينصر أمتنـا بإذنه و هدايته وكتابه و آياته.. فبأي حديث بعده يؤمنون...

هناك لازمة أحب أن أضيفهـا... فالخالق أراد للمسلمين أن يكون تقويمهم للشهور والسنوات معتمدا على حركة القمر و ليس على حركة الشمس... ولو تدبرنـا في فلك القمر.. فسنجد أن القمر تابعـا للأرض و يلازمهـا... و لأن الخالق سخر هذا الكون للإنسان... فقد أراد له أن يقوم السنوات بشيء تابع للأرض التي سخرها الخالق لهذا الإنسان وسخر ما في الكون لخدمته... و نحن عندما نعد شهور الحمل في الجنس الآدمي أو الحيواني، نجد التقويم أدق بالشهور القمرية، و في اختيار الخالق هذا التقويم لنـا يجعل الأرض و أهلهـا متبوعين بما في هذا الكون ومشاركين و ليسوا متبعين.. و الله أعلم .

______________

المصدر : موقع موسوعة الاعجاز العلمي في القرآن والسنة

الحمد لله خالق السماوات والأرض ، الداعي إلى الإخوة في قوله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ، ونصلي ونسلم على من أرسله الله رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم القائل : (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه) .

الإسلام دين المحبة والرحمة تتقوى فيه رابطة الأخوة الإسلامية ، دين يدعو إلى التكافل الاجتماعي وصلة الأرحام ورعاية اليتيم والجار وتنفيس كرب المهمومين دين ينشر الفرح والسرور والسعادة على الضعفاء والمحرومين واليتامى والأرامل ، قال تعالى : (... وَآَتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ...َ) ، وقال: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أَنَا وَكَافلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا) وَأَشارَ بالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى ، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا .رواه البخاري . 

وتشمل كفالة اليتيم ورعايته تقديم كل ما يحتاجه من عناية ، وتربيته وتعليمه والإنفاق عليه ، وعندما تكبر مصيبته بفقد أبيه وأمه يكون حاله أسوأ ، فتنكسر نفسه ويشعر بالحزن والذل لذلك على الرحماء من الأقارب أن يكونوا آباء يعطفون على هؤلاء ، ويدخلون السرور عليهم فإن لم يقوموا بهذا الواجب فعلى القادرين من غير الأقارب والجمعيات الخيرية القيام بهذا الواجب.

إننا في زمن نتهافت فيه وراء الحياة المادية ونتكالب على الدنيا وهي تغرينا بنعيمها الزائل فنجري وراء لذائذها ، قال تعالى : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ)، لذلك ترى كثيراً من الناس يبتعدون عن الأخوة الإسلامية التي هي هدف الإسلام إلى الوحدة المتماسكة القوية التي لا تنفصم عراها .

إن الدين ينظر إلى المؤمنين كالبنيان المترابط وأي ضعف في لبنة من لبناته يسقط ذلك البنيان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) ،ومن فضائل الأعمال التي ينبغي أن يقوم بها القادرون بناء المساجد والمدارس وعمارة السقايات ونصرة المظلومين والمضطهدين في بلاد الإسلام. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلفه في أهله فقد غزا) . متفق عليه .

لذلك على الجمعيات الخيرية في هذا السبيل أن تسعى - جاهدة – لتحقيق رابطة الأخوة الإسلامية وما تقتضيه ثمرة الإيمان من تعميق لهذا المفهوم في الإسلام بتوفير الحياة الكريمة لكل فرد في الجماعة ولاسيما عند حاجته أو عجزه .

ولتحقيق رابطة الأخوة والتكافل الاجتماعي على الجمعيات الإسلامية الخيرية تقديم المساعدات المالية والمعنوية والمشاركات الوجدانية وإدخال السرور والبهجة إلى قلب كل محتاج: فقير، أو يتيم، أو مريض ، أو جريح، أو أسير..

لقد فرض الإسلام ونمى في نفوس المؤمنين العديد من الفرائض والفضائل كالزكاة والصدقة والإنفاق والإيثار . قال تعالى : (...وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ...) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (تهادوا تحابوا).

وانطلاقا من تلك التوجيهات الربانية وتعاليم المصطفى قدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم على الجمعيات الإسلامية اليوم أن تسعى إلى :

1) كفالة الأيتام في كل بلاد الإسلام .2) إعانة المريض بعلاجه وتقديم الدواء له . 3) رعاية الفقراء والمحتاجين من غير الأيتام . 4) مساعدة العجزة من غير القادرين على العمل . 5) مساعدة المعاقين وذوي العاهات . 6) مساعدة الأسر المحتاجة في أفراحها وأتراحها . 7) مساعدة أسر الأسرى القابعين في سجون الاحتلال الصهيوني والأمريكي ، ليس ذلك فحسب إنما يوجهنا رسولنا الكريم إلى الكلمة الطيبة والبشاشة في وجوه الآخرين قال صلى الله عليه وسلم : (الكلمة الطيبة صدقة) متفق عليه،وقال : (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق) .

إن مساعدة أهل الخير والطيبين – الذين لا يريدون سوى وجه الله – ضمان لنجاح أي جمعية ناشئة أو قائمة فتستطيع أن تستمر وتحقق أهدافها المرسومة في برامجها .

فعلينا إذن أن نتعاون ونتآزر تحقيقاً لدعوة الإسلام في إقامة مجتمع إسلامي متماسك موحد قوي .

 

المصدر : موقع حضرموت اليوم 

 كثيرة هيا الأعمال التي توصلنا إلى محبة الله

لا عدد لها ولا حصر , وهناك طرق غفل عنها البعض , وعرف قيمتها البعض

منها العمل التطوعي
من بين ألاف الشباب منهم الاهي في دنياه من قد ضل عن طريق الجنة وأختار حياة الشقاء
يوجد ولله الحمد من شبابنا من قد عرف ربه وأتبع طريقه
وأختار حياة الأنس واللذة بطاعة الله والإحساس بالقرب منه فأتبعوا كل الطرق والسبل فقط للوصول إلى غاية يطلبها الجميع
وياسعد من يتوصل إليها ألا وهي " محبة الله والوصول لرضاه والجنة "
تعاونوا على البر والتقوى , سهروا اليالي , وتحملوا عناء السفر والبعد عن الوطن والأهلون أحيانا أخرى
طوعوا أنفسهم لخدمة الإسلام ولنشر قيمه ومبادئه
نشروا المحبة والتسامح بين أفراد المجتمع
تجدهم دائما في كل ما هو صعب " فهم أبطال المهمات الصعبة "
تجدهم هنا وهناك لا يتعبون ولا يسأمون
فقد وجدوا السعادة الحقيقية في خدمة دينهم ......
سنحاول إن شاء الله في حكايتنا التي نسجها الأمل وتغلغل في أحشائها أن نتتبع ونتعرف بتعمق اكثرعن العمل التطوعي:

وسنبدأ بمفهوم العمل التطوعي :
هو كل جهد بدني أو فكري أو عقلي أو قلبي يأتي به الإنسان أو يتركه تطوعاً دون أن يكون ملزماً به لا من جهة المشرع ولا من غيره.

مثال ذلك: كتابة العقود، وتغسيل الموتى، إماطة الأذى عن الطريق، إعانة الرجل على دابته ورفع متاعه عليها، أن تعين ضائعاً، إنقاذ الغرقى والحرقى، إعانة في مهم كالعرس وسفر، كف أذاك عن الناس.

مشروعية الأعمال التطوعية ومكانتها في الإسلام
أولاً: العمل التطوعي في القرآن:
(
أ ) قال الله تعالى:
"
لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً " سورة النساء آية 114

فالأمر هنا: عمل تطوعي بدني سواء كان أمراً بصدقة أو أمراً بمعروف والسعي بالإصلاح بين الناس: عمل تطوعي بدني.

(
ب) قال تعالى:
"
ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله " سورة البقرة آية 282

فهنا ترغيب للكاتب أن يتطوع بكتابته ولا يمتنع إذا طلب منه، فالكتابة من نعم الله على العباد التي لا تستقيم أمورهم الدينية ولا الدنيوية إلا بها وأن من علمه الله الكتابة فقد تفضل الله عليه بفضل عظيم، فمن تمام شكره لنعمة الله تعالى أن يقضى بكتابته حاجات العباد ولا يمتنع من الكتابة.

و ) ولا شك أن العمل التطوعي الذي فيه نفع الناس والإحسان إليهم بما هو جائز في شرعنا من العمل الصالح ويدخل في عموم العمل الصالح المثاب عليه والممدوح في مثل قول الله تعالى:

"
والتين والزيتون. وطور سنين. وهذا البلد الأمين. لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون. فما يكذبك بعد بالدين أليس الله بأحكم الحاكمين "

وفي مثل قوله تعالى: " والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر "
ومهما دق ذلك العمل فإنه مثاب عليه إذا كان خالصاً صوابا

ثانياً: العمل التطوعي في السنة النبوية:
(
أ ) عدد مفاصل الإنسان ثلاثمائة وستون مفصلاً ويستحب له أن يؤدي شكر نعمة كل مفصل من هذه المفاصل كل يوم بصوره من صور العمل المبارك التالية ( والتي أكثرها أعمال تطوعية )

في مسند الإمام أحمد:
إن سلامك على عباد الله صدقة ، وإماطتك الأذى عن الطريق صدقة وإن أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة

وفي صحيح مسلم: من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: كتاب الزكاة} إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل فمن كبر وحمد الله وهلل الله وسبح الله واستغفر الله ]9[ وعزل حجراً عن طريق الناس ، ]10[ أو شوكة ، ]11[ أو عظماً عن طريق الناس وأمر بمعروف ونهى عن منكر عدد تلك الستين والثلاثمائة السلامى فإنه يمشى يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار {

والسُّلامى: بضم المهملة وتخفيف اللام مع القصر أي مفصل، أصله عظام الأصابع وسائر الكف ثم استعمل في جميع عظام البدن

(
د ) محبة النبي صلى الله عليه وسلم البالغة لأهل الأعمال التطوعية وعنايته بهم ، وتفقده لهم .
روى البخاري ومسلم وابن ماجه بإسناد صحيح واللفظ له :
عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها بعد أيام فقيل له : إنها ماتت فقال : " فهلا أذنتموني فأتي قبرها فصلى عليها "

(
ه ) وأعمال القربات كلها أعمال تطوعية لا يجوز أخذ الأجرة عليها ، وإنما يعطي ولي أمر المسلمين للقائم عليها رزقاً من بيت المال :
قال صلى الله عليه وسلم : }من أذن سبع سنين محتسباً ( أي متطوعاً ) كتب له براءة من النار{

(
و ) وأنه من أسباب إعانة الله للعبد أن يكون في عون أخيه والجزاء من جنس العمل
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : } من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن ستر مسلماً ستر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه {
رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد

(
ز ) إعانة ذوي الاحتياجات الخاصة من أفضل الأعمال وكف الشر عن الناس درجة عليا من درجات العمل التطوعي .
عن أبي ذر رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل ؟ قال : الإيمان بالله والجهاد في سبيله . قلت : أي الرقاب أفضل ؟ قال أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمناً . قال قلت : فإن لم أفعل ؟ قال : تعين صانعاً أو تصنع لأخرق قال : قلت يا رسول الله إن ضعفت عن بعض العمل ؟ قال : تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك " رواه مسلم كتاب الإيمان

وعند البخاري " تعين ضائعاً أو تصنع لأخرق "
والأخرق من لا صنعة له

وكان أبن عباس رضي الله عنهما يقول ( لأن أعول أهل بيت من المسلمين شهراً أو جمعة أو ما شاء الله أحب إلى من حجه ولطبق بدرهم أهديه إلى أخ لي في الله أحب إلى من دينار أنفقه في سبيل الله )

الحافز على العمل التطوعي في الإسلام
يمكن أن نستخلص الحوافز والمثيرات ونلخصها في المعددات التالية :
أولاً : وعد الله تبارك وتعالى أهل الإيمان المتطوعين بأعمال الإحسان المسارعين بجنة عرضها السموات والأرض
حيث قال الإله الحق المبين : " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين . الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين " .

ثانياً : وصفهم الله من خلال النص السابق بأنهم أهل الإحسان والتقوى .

ثالثاً : وبشرهم تعالى من خلال النص السابق أنه يحبهم " والله يحب المحسنين "

رابعاً : جاءت الشريعة الإسلامية أن كلام الناس وأحاديثهم ومحاوراتهم في مجالسهم ومنتدياتهم ومنابرهم لا خير في كثير منه إلا ما كان مداره على الحديث في نفع الناس وإصلاح ذات بينهم . قال تعالى : " لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس " .

خامساً : وعد الله من تطوع بذلك مبتغياً به وجه الله وطالباً رضاه بالأجر العظيم والعطاء الكثير الجزيل الواسع والجزاء المضاعف أضعافاً كثيرة . قال تعالى: " ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيما "

سادساً : أن العمل التطوعي عبادة عظمى اسمها الشكر لنعم الله على عبده من صحة وعافية وحواس سليمة وبدن معافى والإيمان نصفان نصف شكر ونصف صبر ، والشكر الحقيقي هو ما اجتمع فيه قول اللسان وعمل الجوارح بكفها عن معصية الله وبذلها في طاعته قال تعالى : " اعملوا آل داود شكراً وقليل من عبادي الشكور "
وقال تعالى : " ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله "
وقال صلى الله عليه وسلم : } كل سلامى من الناس عليه صدقة{

قد يوجد في مجتمعاتنا من شبابنا من به الخير الكثير
ويطمح في المساعدة وبذل الخير
ولكن قد تواجهه بعض المعوقات التي تمنعه من الخوض في مجال العمل التطوعي
التي قد تكون إما تتعلق بشخصية الفرد أو بطبيعة المجتمع الذي يعيش فيه ذلك الفرد .
منها الحواجز النفسية المانعة من التطوع :

1-
الخجل ( الرهاب الاجتماعي ) .
2-
احتقار الذات ( الاعتقاد بعدم وجود مهارة ) .
3-
انعدام أو ضعف الدافع الذاتي.
4-
عدم إدراك أهمية العمل التطوعي وآثاره الإيجابية.
5-
الخوف من المستقبل ( انخفاض الدخل والانشغال بتأمين دخل إضافي ).
6-
الخوف من الفشل.
7-
الخوف من تحمل المسئولية.
8-
ضعف أو انخفاض الشعور بالانتماء للمجتمع.
9-
الأنانية المفرطة ( التطوع ينمي مبدأ تفضيل روح الجماعة على المصلحة الفردية ).
10-
عدم الشعور بالمسئولية عن الغير.
11-
عدم الثقة بالمؤسسة الخيرية
12-
تعارض العمل التطوعي مع المفاهيم الثقافية والاجتماعية للمتطوع.
13-
النظرة الاجتماعية للتطوع.
14-
انعدام القدوات .

وهناك وسائل لتحفيز وتنمية الانتماء للعمل التطوعي نذكر منها :
1-
تكليف المتطوع بأعمال تتفق وامكاناته وقدراته .
2-
تعريف المتطوع بالفوائد التي سيحققها من عمله التطوعي ( راحة نفسية ، استثمار مواهبه ، القدرة على التعامل مع الآخرين ، استمتاع ، توسيع مداركه ، صداقات جديدة )
3-
صرف مكافآت مالية كحوافز للمتطوعين ( العاطلين عن العمل ، محدودي الدخل ) خاصة وأن الظروف الاقتصادية والاجتماعية تحول دون انخراط الشباب في الأعمال التطوعية .
4-
إيجاد حوافز وظيفية للمتطوعين من موظفي الدولة ( تعويض الإجازة ، العلاوة السنوية ، الترقية ، الخدمة ) .
5-
إيجاد حوافز إيمانية من خلال تعريف المتطوع بالأجر المترتب على عمله التطوعي .
6-
مراعاة رغبات المتطوع وظروفه الخاصة في تحديد وقت وزمن التطوع .
7-
إبراز التجارب التطوعية المميزة في العديد من المؤسسات الخيرية .
8-
التركيز في الأنشطة التطوعية على البرامج والمشروعات التي ترتبط بإشباع الاحتياجات الأساسية للمواطنين الأمر الذي يساهم في زيادة الإقبال على المشاركة في هذه البرامج ,
9-
الاعتراف الدائم بإنجازات المتطوع وعطاءاته من خلال خطابات الشكر والتقدير ، والثناء المباشر في المناسبات العامة .
10-
وضوح الواجبات والمسئوليات المطلوبة من المتطوع .
11-
المساندة والإرشاد والتوجيه للمتطوع أثناء عمله .
12-
أشعار المتطوع بثقة المؤسسة به .
13-
تكليف المتطوع بالأعمال التي تتلاءم مع المفاهيم الثقافية والاجتماعية السائدة في بيئته .

 

مما لا شك فيه، أن موضوع الوقف الإسلامي وتطوره من الموضوعات التي حظيت باهتمام العلماء والباحثين المعنيين، وإن طغت الكتابات الفقهية على معالجة هذا الموضوع، لكثرة التساؤلات بشأنه، وبهدف المحافظة عليه وعلى دوره الإيجابي والاقتصادي في المجتمع الإسلامي·
وقد يلاحظ القارئ المتابع محدودية الدراسات العلمية أو الأكاديمية حول دور الوقف في مجال التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وكذلك في اتصاله بمؤسسات العمل الأهلي·
من هنا تبدو أهمية التعريف بالكتاب الذي صدر عن الأمانة العامة للأوقاف في دولة الكويت، ضمن سلسلة الدراسات الفائزة بجائزة الكويت الدولية لأبحاث الوقف للعام 1999م، والذي عنوانه: <إسهام الوقف في العمل الأهلي والتنمية الاجتماعية> للدكتور فؤاد عبدالله العمر، الأمين العام للأمانة العامة للأوقاف بالكويت، والخبير الاقتصادي بالبنك الإسلامي للتنمية سابقاً·

عرض الكتاب
يقع الكتاب في نحو 220 صفحة من القطع المتوسط، ويحتوي على سبعة فصول رئيسة، بالإضافة إلى قائمة المراجع والمصادر للكتاب باللغتين العربية والأجنبية، وتصدير للأمانة العامة، ومقدمة للكتاب، يوضح فيها المؤلف أهداف دراسته تلك، والتي تتمثل في تتبعه لمسيرة الوقف وتطورها التاريخي، انطلاقاً من أن الوظيفة الأساسية للوقف، بالإضافة إلى إسهاماته الواضحة في التنمية الاقتصادية، هي إسهاماته الفاعلة في التنمية الاجتماعية بجميع جوانبها، حيث سعت الدراسة ـ بعد تحليل موجز لتطور الوقف ـ للتعرف إلى عوامل الاتصال بين الوقف ومؤسسات العمل الأهلي، والأساليب التي يمكن من خلالها تعميق هذا التواصل والتعاون·
أما فصول الكتاب، فقد بدأها المؤلف بالحديث عن: دور الوقف ومؤسسات العمل الأهلي في التنمية الاجتماعية· والفصل الثاني: الوقف والدولة ـ العلاقة المتردية الواهية· والفصل الثالث: العلاقة بين نظام الوقف ومؤسسات العمل الأهلي <الجمعيات·· والمنظمات غير الحكومية>· والفصل الرابع: أوجه الشبه والاختلاف بين الوقف ومؤسسات العمل الأهلي في تحقيق التنمية الاجتماعية· والفصل الخامس: كيفية تنظيم وتطوير العلاقة بين مؤسسات العمل الأهلي ونظام الوقف ومؤسساته لخدمة أغراض التنمية المحلية والقُطرية· والفصل السادس: مقترحات لتفعيل العلاقة بين الوقف ومؤسسات العمل الأهلي لخدمة التنمية الاجتماعية، وأما الفصل السابع والأخير، فهو عبارة عن <الخلاصة والنتائج> التي توصل المؤلف إليها في هذا الكتاب·

الوقف والعمل الخيري
إنَّ دراسة العلاقة بين الوقف من جهة، ومؤسسات العمل الأهلي من جهة أخرى ـ في رأي المؤلف ـ لا يمكن تحديد محاورها وجوانب تحليلها المتعددة دون بيان طبيعة الموضوع وإطاره، في ضوء الدراسات المعاصرة، ذات الصلة للتعرف إلى ما توصل إليه الباحثون في هذا الصدد·
ومن ثمَّ بدأ المؤلف حديثه في <الفصل الأول> عن: <دور الوقف ومؤسسات العمل الأهلي في التنمية الاجتماعية>، حيث استعرض مجموعة من الدراسات المعاصرة التي تبرز أهمية الوقف ودوره في التنمية الاجتماعية، كما عرض لأهمية دراسته ومنهجها وأهدافها ومشكلاتها ومحدداتها الزمنية، ثم خلاصة للفصل الأول يبين فيها المؤلف أن الوقف الإسلامي يعتبر من أهم الأساليب المالية في النظام الإسلامي لتحقيق التنمية الشاملة للمجتمع، وبخاصة التنمية الاجتماعية، كما أن شرعية الوقف في الفقه الإسلامي تعتمد على ثلاثة أصول هي:
ـ حض القرآن الكريم على الإحسان في قوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) المائدة:2، وقوله تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم) آل عمران:92·
ـ وكذلك في السنَّة النبوية، قوله صلى الله عليه وسلم: <إذا مات العبد انقطع عمله إلاَّ من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له> روه البخاري:2772، ومسلم:1000، وإن الصدقة الجارية المذكورة في الحديث تتحقق في الوقف على أصل معناه المقرر الثابت·
ـ ثم الإجماع: وهو الطريقة الشرعية الثالثة التي يتحقق بها الوقف في الفقه الإسلامي، حيث ثبت أن الكثير من الصحابة وقفوا جزءاً من ثرواتهم، واستمر ذلك في الأجيال التي جاءت بعدهم·

الوقف والدولة
في الفصل الثاني: الوقف والدولة·· العلاقة المتردية···، يتحدث المؤلف عن ما يسميه <محاور علاقة الوقف بالسلطة الحاكمة> فيعرض للعوامل التي أدت إلى فرض الحكومات سيطرتها على الأوقاف في الدول الإسلامية· ويشير في أسلوب تحليلي لمحاور الوقف، وأهم وظائفه ومدى الحاجة لوجود سلطة حكومية لإدارته، ويوضح أن تلك المحاور تتركز في ثلاثة أمور هي: تنمية الوقف وإيراداته، صرف الريع الصافي من الوقف، وأخيراً الرقابة عليه <أي الوقف> من قِبَلِ السلطة الحكومية والقضاء·
ويخلص المؤلف من ذلك إلى القول: إن علاقة الوقف بمؤسسات العمل الأهلي قد تردَّت وضعفت وشائجها لبسط الدولة سيطرتها على الوقف وإداراته··· وهو ما كان سبباً لتدخل السلطة الحكومية في إدارة الوقف· ومع ذلك لم تحقق تلك السيطرة من قِبَلِ الدولة أهدافها المنشودة، إذ لم يطرأ تحسن واضح في الكفاءة الإنتاجية للوقف أو تطور عدد الأوقاف، أو تزايد الريع الناتج منه، أو تحسن في أثره في التنمية الاجتماعية والكفاءة التوزيعية لإيرادته· (ص 74 ـ 75) من الكتاب·

الوقف والمؤسسات الأهلية
في الفصل الثالث من الكتاب يتحدث الدكتور فؤاد العمر عن العلاقة بين نظام الوقف ومؤسسات العمل الأهلي التي تشمل: الجمعيات، والمبرات، والمنظمات غير الحكومية، فيشير إلى أن التعاون والتلاحم الكاملين بين الوقف وتلك المؤسسات كان هو الأصل، كما كانت خدمات التنمية هي القطب الذي يجمع بينهما، حتى برزت بعض الظروف والعوامل التي أدت إلى وجود فجوة بين الوقف ومؤسسات العمل الأهلي·
ويدلل على ذلك بأن المؤسسات الوقفية بالتعاون مع قوى المجتمع الأهلي كان لها دور أساسي في توفير واحد من أسس تلاحم هيئات المجتمع المختلفة من خلال إيجاد التكافل الاجتماعي والتماسك في جبهة واحدة ضد العدو الخارجي··· مما مكَّن تلك القوى من مقاومة السيطرة الاستعمارية (ص83) من الكتاب·
وفيما يتصل بتجربة الوقف ومؤسسات العمل الأهلي في الكويت، يوضح المؤلف أنه بعد تراجع توجه الواقفين نحو التصدق بثرواتهم، كوقف خيري، زاد عدد الوصايا، أو صناديق الصدقة الجارية في الكويت، كبديل للوقف، ومن ذلك إنشاء مؤسسة لتعليم الطلبة العرب العام 1965م، وتأسيس بعض الأوقاف الخيرية لصالحها، كما أنشئت الجمعية الكويتية لرعاية المعاقين، وخصصت أوقافاً لها، على شكل صدقة جارية، كما قامت بعض المؤسسات شبه الحكومية، كبيت الزكاة، وبعض مؤسسات العمل الأهلي، كجمعية الإصلاح الاجتماعي، وجمعية إحياء التراث الإسلامي، وجمعية النجاة الخيرية بالكويت، بتأسيس الكثير من صناديق الصدقة الجارية التي يُحبس أصلها ويُنفق ريعها·
غير أن ثمة عوامل مختلفة أدت ـ فيما بعد للأسف الشديد ـ إلى ضعف علاقة الوقف بمؤسسات العمل الأهلي، وفي مقدمها، تسخير السلطة الحكومية <في كثير من الدول الإسلامية> ريع الوقف لصالح الإنفاق الجاري لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، أو أنشطتها ومشروعاتها المختلفة·
ومن ثمَّ يرى المؤلف أن الاهتمام بتطوير نظام الوقف، ووصل علاقته بمؤسسات العمل الأهلي سيوفر خط حماية في الدول الإسلامية ضد ما يطلق عليه اسم <الاستعمار الجديد>، الذي يتم حالياً من خلال السيطرة على المنظمات التطوعية والمحلية وتمويلها في تلك الدول، لتحقيق أهداف قد لا تتفق وأهداف التنمية الاجتماعية فيها· (ص39) من الكتاب·

الوقف وسلطة الدولة
كذلك لابد أن يحتل <نظام الوقف> موقعاً وسطاً بين السلطة، ممثلة في الإدارة الحكومية والمجتمع، ممثلاً في مبادرات مؤسسات العمل الأهلي، فالسلطة ممثلة في الأجهزة الحكومية، يكون إسهامها مثمراً، إذا ابتعدت عن <إدارة> الوقف، واكتفت بالرقابة عليه <يعني أداءه في المجتمع>، وتوفيرها التسهيلات والإعفاءات اللازمة لنموه·
أما ما حدث من تدخل السلطة في الوقف في القرنين التاسع عشر والعشرين الماضيين، فقد أضعف من أمر الوقف وإيجابياته في تلك المجتمعات الإسلامية المعاصرة!·
ولذلك عرض المؤلف لنماذج أو تجارب واقعية في امتزاج الوقف ومؤسسات العمل الأهلي، في دولة الكويت <على سبيل المثال>، ومن خلال الأمانة العامة للأوقاف بها، (ص96ـ103) من الكتاب·

التشابه والاختلاف
أما أوجه الشبه والاختلاف بين الوقف ومؤسسات العمل الأهلي، وأسباب الانفصال ودواعي الاتصال بينهما، فقد خصص المؤلف <الفصل الرابع> من الكتاب لتفصيلها، وقد أشار إلى جملة أشياء تبرز أوجه التشابه، ومنها: اللجوء إلى القضاء، والشخصية الاعتبارية والذمة المالية، وتوافر الشفافية، والقيام بالخدمة العامة وعدم قصد الربحية، وتقارب شروط استحقاق المساعدات والسياسات العامة، نحو تحقيق التنمية، وتوافر المبادرات الأهلية ونظام مفتوح للمشاركة من الجميع، ووجود الاستقلال الإداري والمالي (ص108 ـ 114) من الكتاب·
وبالنسبة لجوانب الاختلاف بين الوقف ومؤسسات العمل الأهلي، فهي: القصد <بمعنى الأساس الذي ينشأ منه كل منهما>، وإذن التأسيس، وأسلوب الإدارة، والمدة الزمنية، وتعبئة الموارد المالية، ونطاق الرقابة، وسياسات التوزيع، وسياسة الإعفاء الضريبي·
ثم عرض المؤلف أيضاً للعوامل البيئية والاقتصادية والسياسية التي تؤثر في الاتصال بين الوقف والعمل الأهلي، وتتمثل في: نظام الحكم وفلسفته، وطبيعة النشاطات التي يمولها الوقف، والتوجه العالمي، ودواعي الاتصالات ومبرراته، وتتجلى مظاهرها في: ترشيد الإنفاق، وتحسين المردود الاقتصادي للوقف، وتعميق الأثر التوزيعي للوقف، والاستغلال الأمثل للوقف، واستمراره وتوسيع نطاق مشاركة المسلمين فيه، وزيادة فاعلية الوقف وتنامي دوره التنموي، والاستفادة من مزايا مؤسسات العمل الأهلي، وتدعيم الثقة في السلطة الحكومية للوقف، ووجود الهيكل الإداري المناسب، والاتساع الجغرافي للدولة، والتخصص والقرب من الفئات المستهدفة، وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية وانسحاب الدولة من الخدمات الاجتماعية، والحاجة إلى دعم الفئات المحتاجة··· (ص115 ـ 135) من الكتاب·
كذلك عرض الدكتور فؤاد العمر في الكتاب لبعض جوانب الضعف في الاتصال بمؤسسات العمل الأهلي، بقوله: <إن جوانب الضعف هذه إذا لم يتم التغلب عليها أو مواجهتها فإنها في النهاية ستؤدي لمزيد من الكلفة المالية، وضعف في الفاعلية والأثر التنموي للوقف، وهو أمر يتنافى مع الغاية من الاتصال بين الوقف ومؤسسات العمل الأهلي>·
ويمكن تلخيص بعض جوانب الضعف تلك في: ضعف الطاقة المؤسسية، وقلة الوعي بالمفهوم الشامل للتنمية الاجتماعية، وقلة الموارد المالية والبشرية، ومحدودية الخبرات والمهارات في الاتصال بمؤسسات العمل الأهلي·
وينتهي المؤلف من ذلك إلى التأكيد على أن <علاقة الشراكة والاتصال بين الوقف ومؤسسات العمل الأهلي يُظهر التجانس بينهما في كثير من الخصائص، كما يظهر إمكانية تجاوز مجالات التباين بينهما، مما يوفر بدوره قاعدة أساسية للاتصال الفاعل والمثمر الذي يحقق كثيراً من الفوائد والآثار الإيجابية لكلا الطرفين، استناداً إلى أن دواعي الاتصال بينهما كثيرة وأساسية·

استثمار الوقف
في <الفصل الخامس> من الكتاب يتحدث المؤلف عن <كيفية> تنظيم وتطوير العلاقة بين مؤسسات العمل الأهلي ونظام الوقف ومؤسساته، لخدمة أغراض التنمية المحلية والقطرية، ويرى أن تأكيد إيجابية تواصل المؤسستين من خلال تنظيم وتطوير العلاقة بينهما لا يتحقق إلا بتوافر الأسس الشرعية للوقف في تحديد <ماهية> علاقته بمؤسسات العمل الأهلي، التي تقوم في جانبها الرئيس على أمرين هما:
ـ توجيه استحقاق إيرادات الوقف وتحديد مصاريفه·
ـ بيان من يستحق التولية أو حق إدارة الوقف وعمارته· (ص146 ـ 150) من الكتاب·
ثم هناك أيضاً ضوابط العلاقة بين الوقف ومؤسسات العمل الأهلي التي تقوم بدورها على اعتبارات عدة منها:
تحديد الأوليات والاتفاق على رؤية واضحة للعمل، ووجود علاقة تعاقدية بين الوقف ومؤسسات العمل الأهلي، وتوافر نظام رقابي ومالي على النشاطات والأعمال، وتوفير الحوافز لمؤسسات العمل الأهلي مع ربطه بالكفاءة في التوزيع، وحسن اختيار مؤسسات العمل الأهلي وتنويعها، وأخيراً دور الوقف في اختيار الكفاءات الإدارية المناسبة لإدارة أنشطته·
وهكذا يقرر المؤلف في نهاية هذا <الفصل> أن التحدي الذي يواجه علاقة الوقف مع مؤسسة العمل الأهلي يكمن في طبيعة العلاقة بينهما، وكذلك في الشكل المؤسسي، وفي معايير الاختيار أو القبول الذي يحكم أصلاً طبيعة هذه العلاقة· (ص163) من الكتاب·
أما حديث المؤلف عن <مقترحات لتفعيل العلاقة بين الوقف ومؤسسات العمل الأهلي لخدمة التنمية الاجتماعية في الدول الإسلامية>، فكان عنوان <الفصل السادس> من الكتاب الذي يؤكد خلاله أن الحاجة إلى مؤسسات العمل الأهلي تنبع من تعريف <التنمية الاجتماعية> التي تعني: <إشباع الحاجات الفردية التي يمكن الوفاء بها من خلال تقديم الخدمات المطلوبة بوساطة مؤسسات العمل الأهلي>·
ويرى الدكتور فؤاد العمر أنه لكي تكون العلاقة فاعلة ومثمرة بين الوقف ومؤسسات العمل الأهلي في مجال التنمية الاجتماعية مثلاً، فلا بد من توافر أمور عدة منها: توافر البيئة الملائمة لأعمال مؤسسات العمل الأهلي، وتشكيل صناديق وقفية تضم الوقف ومؤسسات العمل الأهلي، وحصول إعفاءات ضريبية للمشاريع المشتركة بين الوقف ومؤسسات العمل الأهلي·
ويخلص المؤلف من ذلك إلى القول: إنه لا بد للوقف من الانتقاء والاختيار المناسبين، حسب المعايير المعتمدة، وأن عليه أن يقوم بمراجعة شاملة لعلاقته مع مؤسسات العمل الأهلي دورياً، بالإضافة إلى كل مؤسسة على حدة، لتقويم المنافع المكتسبة من هذه العلاقة· (ص183) من الكتاب·
وأما <الفصل السابع> والأخير من الكتاب، فقد خصصه المؤلف <للخلاصة والنتائج> التي انتهى إليها في هذا البحث، وتتلخص فيما يلي: إن الحكمة من تشريع الوقف ـ في الأساس ـ تعني تحقيق التنمية الاجتماعية في المجتمعات والدول الإسلامية، من خلال إيصال المنافع للعباد·
ـ إسهام الوقف في المشاريع التي تُوجِدُ فُرصاً للعاملين من خلال عمليات استثمار الأوقاف في المجتمع·
ـ تشجيع التوعية والبحوث العلمية، وبخاصة التطبيقية منها، حول الوقف ودوره في التنمية الاجتماعية·

تعقيب
وبعد··· فالكتاب الذي عرضنا له في جملته، يعد دراسة علمية قيمة، استطاع مؤلفه الدكتور فؤاد عبدالله العمر أن يتناول فيه مشكلة <إسهام الوقف> في العمل الأهلي والتنمية الاجتماعية، وهي المشكلة التي شغلته من سنوات طوال، بوصفها جزءاً من تاريخ الاقتصاد الإسلامي وتطوره منذ عهد النبوة، وبالتحديد عندما كان يُعد المادة العلمية عند تطور التاريخ الاقتصادي للمسلمين·
كما أن التوفيق حالف المؤلف كثيراً بفضل <النتائج> و<الخلاصات> التي توصل إليها عبر فصول كتابه هذا، بدءاً من استعراضه المركز لنماذج الدراسات المعاصرة في الموضوع ذاته، وبيانه أهمية الوقف ودوره في التنمية الاجتماعية، ولاسيما في حياة المسلمين الحاضرة، ثم مناقشته العلم، لأسباب تردي العلاقة بين الوقف والدولة بعد تدخلها فيه، أو ما يسميه بـ <علاقة الوقف بالسلطة الحكومية> (ص71) من الكتاب·
وكذلك تناوله لبعض جوانب ضعف الاتصال بمؤسسات العمل الأهلي والوقف، والتي يرى أنه إذا لم يتم التغلب عليها أو مواجهتها من خلال السعي إلى إيجاد الاستراتيجيات الناجعة، فسيؤدي ذلك إلى مزيد من الكلفة المالية، واضمحلال الفاعلية والأثر التنموي للوقف في المجتمعات الإسلامية المعاصرة·

بقلم: عرض وتحليل: السيد أحمد المخزنجي
رقم العدد:-  447  -الشهر:  1    السنة-  3

مجموعات فرعية

.