القدوة أفضل وسيلة لغرس القيم في نفوس الأبناء

القدوة أفضل وسيلة لغرس القيم في نفوس الأبناء
تمت الإضافة بتاريخ : 18/02/2010م
الموافق : 4/03/1431 هـ

تلعب القدوة دورا بالغ الأهمية في مجال التربية والتنشئة الاجتماعية الصحيحة للأبناء والأسرة هي المعين الأول، الذي تتشكل وتتحد فيه معالم شخصية الطفل فهي التي تغرس لديه المعايير والقيم الدينية والأخلاقية التي يحكم بها على الأمور، ومدى شرعيتها وصحتها. ومن هنا تأتي خطورة دور الأسرة ومن الضروري أن يكون النموذج الذي يقتدي به الطفل نموذجا صالحا يعبر عن تلك القيم والمعايير لا بالقول فقط أو بالدعوة والإرشاد إليها، بل يجب أن تتمثل تلك القيم في سلوك الوالدين.

فالملاحظ الآن افتقاد القدوة النموذجية داخل بعض الأسر الأمر الذي ينذر بالخطر، وفي هذا التحقيق يوضح علماء علم النفس والاجتماع ورجال الدين أهمية القدوة وتأثيرها على الأبناء.

تؤكد الدكتورة فايزة يوسف رئيسة قسم الدراسات النفسية والاجتماعية بجامعة عين شمس أن القدوة الحسنة هي أفضل وسيلة نستطيع بها أن نعلم أبناءنا السلوك الإيجابي وتقول: الوالدان لديهما اعتقاد خاطئ بأن الابن ينمو بطريقة تلقائية جسديا واجتماعيا ونفسيا ولقد أثبتت الدراسات والأبحاث الاجتماعية والنفسية أن على الآباء تعليم الأبناء بطريقة ايجابية تبتعد عن النصح والإرشاد وتقوم على تقديم القدوة والصورة المثلى لأبنائهم من خلال الالتزام في أفعالهم وسلوكياتهم.

والطفل في مرحلة الطفولة المبكرة تكون لديه مجموعة من السمات تؤهله لاستقبال كل سلوك إيجابي والعمل به وحين يشب وهو يرى سلوكيات الوالدين تدعو إلى البر والتقوى والإحسان والرحمة والتكافل، لن يتردد في تقليد هذا السلوك لكن حين يلجأ الوالدان إلى النصح والإرشاد فإن الابن ينفر من ذلك ويبتعد عن كل ما يقال له.

ولا تقتصر عملية تعليم السلوكيات والأخلاق الحميدة للأبناء على الأسرة بل إن المناهج الدراسية يجب أن تنمي ذلك داخل الطفل والقرآن والسنة النبوية والحياة العامة زاخرة بقصص التضحية والعطاء والبر والأمانة.. والقصة أسرع وسيلة ننقل بها ما نريد إلى عقل الطفل. وكذلك فإن وسائل الإعلام عليها هي الأخرى أن تدعم هذه السلوكيات ولاسيما التليفزيون.

حد فاصل للقيم

وتشير الدكتورة عزة فتحي أستاذ علم الاجتماع بكلية التربية جامعة عين شمس إلى أنه في مرحلة الطفولة المبكرة دائما ما يقوم الطفل بعقد مقارنة بين ما يقال له من قبل والديه وبين سلوكهما الفعلي فإذا لاحظ الطفل وجود تناقض بين ما يقال له وما يفعل فإنه يصاب بحالة من الاضطراب النفسي والتمزق ويفقد كذلك القدرة على التمييز بين ما هو صحيح وما هو خطأ.

ومن هنا فإن على الوالدين مراعاة اتفاق أقوالهما مع أفعالهما خاصة في هذا العصر الذي يتسم فيه الطفل بنسبة ذكاء عالية جدا تمكنه من الملاحظة الدقيقة وعقد مقارنة بين الأقوال والأفعال ومدى التطابق بينهما ثم يقوم من خلال النتائج التي يصل إليها بعمل نموذج خاص به للمثل والأخلاقيات التي سوف يلتزم بها في حياته.

وتضيف الدكتورة عزة فتحي وتقول: على الوالدين أيضا أن يقوما بوضع حد فاصل للقيم فالكذب هو الكذب ولا توجد له درجات أو ألوان أو مبررات، والأمانة أمر لا بديل عنه تحت أية ضغوط واحترام الكبير وبره واجب، والتفوه بالألفاظ السيئة مرفوض مع توضيح أهمية التزام الإنسان بالسلوك الحسن الطيب وكيف يقربه ذلك من المولى عز وجل.

والوالدان عليهما أن يحرصا على تقديم القدوة الحسنة لطفلهما فلا يصح أن ينهيا أبناءهما عن سلوك ويرتكباه هما.

تطابق القول والفعل

أما الدكتور أحمد محمود كريمة: أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين جامعة الأزهر فيقول: نظرا لأهمية التربية السليمة للأبناء، وآثارها في حياة المجتمع الإسلامي فان الإسلام لم يترك تنظيم التربية للناس، يصنعونها كيف يشاءون ويشرعونها كما يحلو لهم بل جعل التربية، تقوم على مرتكزات عقائدية وعملية وسلوكية.

ولقد نبهت الشريعة الإسلامية إلى أن نشأة الأطفال في أسر متوازنة مستقرة أهم عامل في التربية السليمة ويتأتى هذا من تطابق القول والفعل وتوافق إرشاد الوالدين لأبنائهما مع السلوك الذي يقومان به فليس من المعقول أن يتفوها بالألفاظ القبيحة وينهيا أبناءهما عنها أو عن ارتكاب العادات القبيحة وهما يفعلانها وهذا كله محرم شرعا وداخل تحت قول المولى عز وجل: (لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)، وقوله سبحانه (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم).

ولرب الأسرة أهمية بالغة في حياة أسرته وقد صور الإسلام رب الأسرة وموقعه من أسرته أحكم تصوير فكما في المأثور (الشيخ في أهله كالنبي في أمته أو قيل في قومه) إن عليه أن يرشدهم السبيل الصحيح ويحثهم على الالتزام بكل ما أمر به المولى.. والحقيقة أن قوامة الرجل في بيته وتربية الأم لأبنائها يجب أن يتحقق فيها معنى القدوة التي يجب أن تقوم على الصدق والأمانة والمثابرة والمتابعة.

إن مصداقية وموضوعية التربية للأبناء مسؤولية وأمانة يسأل عنها الوالدان يوم القيامة (كلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته، فالرجل في بيته راع ومسئول عن رعيته) والمسؤولية هنا كاملة لا تقتصر على تغذية وستر الأبدان بل وتغذية العقول وتقويم السلوك وليس بمجرد الأقوال فقط بل بحسن الفعل فذلك أدعى للامتثال والالتزام والاقتناع من قبل الأبناء بكل ما يرشدهم إليه الوالدان.

ويجب أن تعلم أن الإسلام قد سبق وفاق النظم التربوية في التأديب العملي لأطفال اليوم وشباب الغد فهو يجعل التوجيه الصادق متوافقا مع تطبيق المؤدب (الأب والأم).. والذي عليه تقع مسؤولية إيجاد القدوة الصالحة داخل الأسرة، حتى لا يفتقدها الأبناء.

أسس التربية الصحيحة

ويقول الدكتور الحسيني يوسف عبد العال الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الإسكندرية: الطفل ينمو في الأسرة المكونة من أب وأم يستقي منها قيمه وأخلاقه وسلوكياته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، حث الوالدين على الاهتمام بأبنائهما ورعايتهما وتربيتهما على أسس التربية الصحيحة والتي تبدأ منذ اللحظة الأولى للميلاد وذلك بالأذان في الأذن اليمنى للمولود عقب ولادته مباشرة وبالإقامة في أذنه اليسرى.

ثم يكون على الوالدين بعد ذلك تقديم القدوة والأسوة الحسنة له، وما أن يصل سن السابعة حتى يبدأ تعويده على الصلاة كي ينشأ على حبها والتعلق بها والمولى سبحانه وتعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا)، وقال على رضي الله عنه: (علموهم هذبوهم).

وقال الحسيني (أأمروهم بطاعة الله وعلموهم الخير) وكل ذلك يمكن حدوثه حين تتطابق أقوال وأفعال الوالدين أمام أبنائهما، وحين يلتزما بحدود الله، لأن أبناءهما عندئذ سوف يلتزمون مثلهما ولقد حث رسول الله صلي الله عليه وسلم على الصدق في كل الأمور حتى وان بدت بسيطة. <

فقد دخل صلى الله عليه وسلم على امرأة وهي تقول لولدها هات (خذ) فقال: أتعطينه؟ فقالت: لا.. قال: لو لم تعطه فإنها كذبة إن التربية جزء من الأمانة التي حملها الإنسان على نفسه يقول تعالى: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان انه كان ظلوماً جهولا) ومن الأمانة تربية الأبناء على ما رسمه الله لنا في كتابه الحكيم، وعلي سنة نبيه المصطفي صلى الله عليه وسلم.

مطلب تربوي وديني

يقول الدكتور.محمد رأفت عثمان أستاذ الشريعة والعميد الأسبق لكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر: من الأسس التربوية وهي في نفس الوقت من أسس أحكام الشريعة الإسلامية أن يكون الأب صادقا في تصرفاته وأقواله وكافة سلوكياته مع نفسه أولا، ومع الناس عندما يتعامل معهم.

ومن المعروف أن الطفل ينشأ متأثرا بما يدور حوله من أقوال وأفعال وتصرفات فإذا رأى التناقض من قبل من يتولون تربيته فقد الثقة فيهم في كثير من الأحيان، ولهذا فإن الوالدين عليهما تقديم القدوة الحسنة، حيث إن سلوكهما يعد كذلك، عنوان ما يراد غرسه في نفوس أبنائهما، فإذا كان السلوك من قبلهما مستقيما مطابقا لنصائحهما وإرشادهما أدى ذلك إلى تحقيق الهدف المطلوب من التربية السليمة للأبناء.

أما إذا كان هناك تناقض بين النصائح التي تقدم للأبناء وما يحدث في الواقع من أفعال فلا يجب عليهما أن ينتظرا الثمرة المرجوة من تربية أبنائهما.

وكما ذكرنا فان هذا الأمر ليس تربويا فقط، إنما هو مطلب ديني والوالدان مسئولان عن التنشئة الصالحة لأبنائهما، فإذا أحسنا تربيتهم بقصد تهيئة الفرصة لهم لإتباع الطريق المستقيم في معاملتهم مع الله ومع الناس كان لهما ثواب من الله على هذه النية، وهذا القصد وهذا العمل التربوي، وإذا تهاونا في التربية الصحيحة لأبنائهما.

ومن ذلك التهاون حدوث التناقض بين الأقوال والأفعال فان ذلك يشكل معصية لله سبحانه، ذلك لان التقصير هنا يؤدي إلى فتح أبواب الانحرافات بصورها وألوانها المختلفة والمتعددة ولعل أكثرها شيوعا هو ترسيخ صفة الكذب عند الأبناء حتى لا يشعروا بأية غضاضة عند ممارستها والكذب كما هو معروف من أقبح الصفات التي نهت عنها الشريعة الإسلامية.

يقول تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (عليكم بالصدق فان الصدق يهدي إلى البر وان البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب فان الكذب يهدي إلى الفجور ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا).

إن الوالدين مسئولان عن أبنائهما منذ الصغر حتى يشب الواحد منهم مطيعا لله عز وجل محسنا في سلوكه وتصرفاته تجاه الآخرين.

المصدر : ينابيع تربوية

 

الاستشفاء بالصدقة

بقلم الدكتور صالح بن أحمد بن رضا

أستاذ الحديث النبوي وعلومه

ومن الأمور التي أعتاد المسلم أن يفعلها إذا مرض، أو مرض أحد من أهله أن يتصدق على الفقراء والمساكين، وذلك تقرباً إلى الله ـ عز وجل ـ ورغبة بما عند الله تعالى، فإن الإنسان إذا تصدق لوجه الله تعالى، فإن الله سبحانه يجيب دعوته، ويزيل ما به من البلاء.

فعن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب وصلة الرحم تزيد من العمر)( رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن).

وعن رافع بن مكيث ـ بوزن عظيم ـ رضي الله عنه ـ كان ممكن شهد الحديبية ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(حسن الملكة نماء، وسوء الخلق شؤم، والبر زيادة في العمر، والصدقة تطفيء الخطيئة، وتقي ميتة السوء)(كتاب الترغيب والترهيب).

وعن عمرو بن عوف ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(إن صدقة المسلم تزيد في العمر، وتمنع ميتة سوء، ويذهب الله بها الكبر والفخر)(الترغيب والترهيب).

وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(إن الصدقة لتطفيء غضب الرب، وتدفع ميتة السوء)(السلسلة الصحيحة المختصرة للألباني).

وفي حديث معاذ ـ رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار)(مشكاة المصابيح للألباني).

فهذه الأحاديث الكريمة وغيرها تبين أن الصدقة تبعد عن الإنسان غضب الله تعالى، فإذا زال الغضب حلت رحمة الله تعالى بالعبد، وإذا كانت الصدقة تطفئ الخطيئة، وتزيلها من صحيفة العبد، فلا يبقى الإ طاعته وعبادته، فيرحمه الله تعالى، ويزيل عنه برحمته وكرمة وفضله ما حل بالإنسان من مرض، أو بلاء، أو مشقة، فالصدقة باب لذلك وسبب له.

وقد ذكر الإمام المنذري في كتاب الترغيب والترهيب. هاتين الحكايتين:

ـ قال: ( عن علي بن الحسن بن شقيق قال: سمعت ابن المبارك، وسأله رجل: يا أبا عبد الرحمن. قرحةٌ خرجت في ركبتي منذ سبع سنين، وقد عالجت بأنوع العلاج، وسألت الأطباء، فلم انتفع به.

قال: اذهب، فانظر موضعاً يحتاج الناس الماء، فأحفر هناك بئراً، فإني أرجو أن تنبع هناك عين، ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل، فبرأ)(رواه البيهقي).

وقال البيهقي: وفي هذا المعنى حكاية شيخنا الحاكم أبي عبد الله ـ رحمه الله:

فإنه قُرح وجهه، وعالجه بأنواع المعالجة، فلم يذهب، وبقي فيه قريباً من سنة، فسأل الأستاذ الإمام أبا عثمان الصابوني أن يدعوّ له في مجلسه يوم الجمعة، فدعا له، وأكثر الناس التأمين، فلما كان يوم الجمعة الأخرى ألقت امرأة في المجلس رقعة بأنها عادت إلى بيتها، واجتهدت في الدعاء للحاكم أبي عبد الله تلك الليلة، فرأت في منامها رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يقول لها: قولي لأبي عبد الله يوسع الماء على المسلمين، فجئت بالرقعة إلى الحاكم، فأمر بسقاية بنيت على باب داره، وحين فرغوا من بنائها، أمر بصب الماء فيها، وطرح الجَمد ـ أي الثلج ـ في الماء، وأخذ الناس في الشرب فما مر عليه أسبوع حتى ظهر الشفاء، وزالت تلك القروح، وعاد وجهه إلى أحسن ما كان عليه وعاش بعد ذلك سنيناً) [الترغيب والترهيب 2/ 74ـ 75].

فعند ما جعل هذان الماء صدقة لوجه الله تعالى بُرِئا مما فيها من القروح رغم عجز الأطباء في زمنهما عن معالجتهما، وأظن ليس منا أحد إلا ويعلم أن رجلاً أو رجالاً شفاهم الله تعالى مما هم فيه من الأمراض والأسقام بسبب صدقة تقدم للفقراء والمساكين، فهذا سبيل من سبل الشفاء على المسلم أن يسلكه إذا نابه شيء من البلاء عافانا الله وإياكم.

فرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من بعثه الله تعالى رحمة للعالمين يدلنا على سبل الشفاء، وطريقه المتنوعة، فأحياناً يكون بالقرآن الكريم، وتلاوته، وأخرى يكون بدعاء وارد من سنته، وأخرى بالصدقة، وكل ذلك حق وواقع لا مرية فيه، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

___________________

المصدر : موقع موسوعة الاعجاز العلمي في القرآن والسنة . 

مجموعات فرعية

.